- محمود السوكني
لو سألت أي متابع بسيط حديث عهد بالسياسة ، عن إنطباعاته عن ما يحدث في غزة ، لأجاب بمرارة يعتصرها الألم بأنها حرب قذرة أثبتت حقائق دامغة لا يختلف عليها إثنان اوجزها فيما يلي :
أولاً – أن هذه الدويلة المزعومة صنيعة الغرب لا يرفض لها طلب ، ويحق لها أن ترتكب كل المخازي ولا يجوز محاسبتها ولا حتى مساءلتها .
ثانياً- أن وجودها مرفوض من كل العرب حتى وإن تباينت عقائدهم ، ناهيك عن أنها مرفوضة من كل مسلم يعلم يقيناً أنها تحتل موطن أولى القبلتين وثالث الحرمين ؛ وما تنازل حكامنا عن بعضها في قمتهم المشئومة الرابعة عشر التي إلتئمت في بيروت في شهر مارس من عام 2002 ، ما كان ذلك إلا تصرفاً أحمقاً سيحاسبون عليه يوماً .
ثالثاً- أظهرت الحرب الغير متكافئة أن الفلسطيني متشبت بأرضه حتى الموت ، وأنه متعاطف مع طلائعه النضالية (حماس أنموذجاً) في الوقت الذي لن يتسامح مع من خذلوه وباعوا قضيته ممن إستوزروهم عليه غصباً ، أولئك الذين يرون في (جيرانهم الصهاينة) إخوة لهم وأن أبطال حماس عبئاً عليهم ولا يمثلونهم !
رابعاً- تأكد لكل محايد نزيه أن حثالة المستعمر أجبن من أن تعمر على آديم هذه الأرض المحروقة وأنهم إلى زوال حتماً خاصة وأن ألاف اليهود من حركة (ناطوري كارتا) يرفضون وجود هذه الدويلة ويعارضون بشدة بقائها ويقفون بشدة في وجه إغتصاب دولة فلسطين .
خامساً- أن العرب لن تقوم لهم قائمة حتى يتخلصوا من حكام إبتلوا بوجودهم .
هذه الإنطباعات التي تعد حقائق لا خلاف عليها حتى وإن انكر البعض ذلك خوفاً أو توجساً تكاد تكون مسلمات يجتمع على صحتها المتابع البسيط والخبير الآريب ، وهي لشدة وجعها محظورة وممنوعة من التداول خوفاً من أن توقظ شعوباً ألفت الرقاد وإستمرأت المذلة والهوان .
رغم كل ذلك ، فإن للحق مواعيده ، وسيطرق يوماً باب التاريخ ليجدد في أوصال الأمة شغفها المعهود بالإنتصار على الظلم .
سيكون لهذه البراعم التي تولد من رحم المحنة مواعيدها مع البطولات التي خلقت لها والموعودة بنيلها بعد أن تختفي تلك الوجوه الكالحة ، وتذهب إلى الجحيم كل الأفكار الهدامة والمواقف السلبية التي نخجل أن تلصق بنا .
هذه الحرب اللعينة رغم فظاعتها ، كشفت عيوبنا وفضحت عجز حكوماتنا واكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن شعوبنا الآبية جديرة بحكام في مستوى تطلعاتها ليس من بينهم -حتماً- من هم في الواجهة الآن .