حقيقة الأمر

حقيقة الأمر

بقلم :: عمر الطاهر

قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه ، كان اليأس يسود النفوس ، و كانت الثورة تعتمل في الأعماق  و كان البوح يتسلل إلى

( الفيسبوك ) و الانتظار بدأ ينحسر في الأنحاء ، كل مساء و كل حين نترقب ، من أين البداية؟ من بوعزيزي ليبيا؟  و لكن الفراعنة عن يميننا لم يقدموا قربانا لثورتهم ، إذا ماذا ننتظر؟ تواريخ تقترب و أخرى تختفي في غيابات الخيال تقدم الخامس عشر ، و الهتافات في الصدور تغلي و ترتفع في أوج السكون . و لكنها الثورة انفجرت ، و كان الشعار خجولا  (نريد إصلاح النظام ) و لكننا لا نريد ذلك , بل أردنا شعارا زلزل الأركان و ملأ السفوح و جدر الشوارع (يسقط النظام ) سقط النظام و سقطنا في خطايانا و غمرتنا الدموع في بحر الندم ، بعدما ملأت الرؤوس المتدحرجة و المهروسة و الأكباد المنزوعة من الأجساد المحروقة للمغرر بهم ، ثورتنا قيامة الثورات ، و شعبنا اتخذ من بعضه عدوا، وصمت العالم مذهولا من وحشيتنا , لا قداسة للحرمات و لا الأعراض لها حماة ، و لا الإخوة و لا الجيرة و عشرة السنين تننجيك من عذاب أليم , سجون و فنون في الانتقام ، و ابتداع للقتل و التشويه ، ماء النار هو البداية ، و”البي بي آر” آخر الدواء قبل الاعتراف بمجنون يخلفه جنون ويح لمن قبض عليه ، وويل للملايين .

قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه ، كان كل شيء بحثنا عنه موجودا و لكن بالنذر اليسير ، إلا أنه كان موجوداً ، كانت الحقوق تتأخر في نيلها ، و لكنها تأتي بعد حين ، و كان ذلك هو ما استفزنا طيلة عقود ، أننا نستجدي حقوقنا ، و إن منحونا إياها منّوا علينا بها ، و اعتبروها إنجازات عظيمة حققوها لنا و يحب علينا أن نسجد لهم تعظيما لنيلها ، كالمرتبات الضعيفة ولكنها بالكاد تكفي ، كالحرية المحاصرة ، ولكن لها معنى و مثل تكافؤ الفرص في التعليم و البعثات و للطالب الليبي في الغربة احترام ، و كالتجارة للتماسيح ، و البعض يمرق كالسهم فيصيب منها نصيب و حتى العدل إن تأخر  يأتي في نهاية الأمر عدلا مهما تأخر .

و كانت آمالٌ بنيل الحقوق تنتظر ، و كانت حتى المظالم إن ارتكبت  ترتكب بخجل ووجل و لكن بعد أن أحرق البوعزيزي نفسه ، احترق الأخضر و انتصر الأحمر ، فكان كل شيء بلون جهنم , أنا كنت معهم ، أبارك الثورة و التحرر ، وأطمح في دولة الرخاء و الغد المزهر ، برغم كوني أحارب في الجانب الأخضر و لكن نارا أشعلها البوعزيزي ، شب لهيبها ، و استعر أوارها ’ فلم تبق منا شيئا و لم تذر ، منذ أن أحرق البوعزيزي نفسه ، أحرقنا نحن و أوطاننا وأحلامنا  و تبخرت آمالنا و ذهب المستقبل إلى المستقبل و الماضي إلى الماضي تقهقر،  وانفصل الإنسان عن الأديان، و الأديرة عن الرهبان، و الشيخ عن الإيمان و طالت اللحى و قصر البنطال ، و الحلم المعقود على الفجر تراجع رويدا رويدا حتى تبخر البوعزيزي حين أحرق نفسه ، أحرق ديارنا و تمزقت أحوالنا  و خاضت الرويبضاء في المساجد و المنابر و الساحات و الميادين ، و هللت و كبرت ، باسم الله و الدين و نزلت علينا قارعة ، فصرعتنا في الأخلاق و الأرزاق و البنين , منذ أن أحرق البوعزيزي نفسه ، احترقت الرحمة في قلوبنا و اخترقت اللعنة أيامنا و شيخ التمائم لم يزل يتعثر , مبعوث تلو مبعوث ، و برنارد يخلف برنارد ، من ليفي ، إلى ليون ، و أخيرا كوبلر .

و لم يولد الأمل ، لا بادي انتحر ، و لا اندحر حفتر .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :