خصوم المبقع 

خصوم المبقع 

  أ.د. محمــــد الطاهـــر الجـــراري  /  رئيس مجلـــس إدارة المركز

وعند الله تلتقي الخصوم

من التراث الفزاني الليبي

في تراثنا الاقاري الفزاني القديم هناك ما يعرف بنخلة الجامع. وهي عبارة عن مفردة لنخيل موقوف للجامع للصرف منه على مستحقاته.

 التمر كان مصدر العيش الأهم والنخلة هي عماد حياة الأفراد والجماعات، والنخلة تأت بالتمر بعد أن يمر بعدة مراحل نضج أولها / عنيب الديب تم الغمق تم البلح تم الرطب تم التمر الذي يؤكل بعضه رطباً  وبقيته يجفف، ويدفن في رمل أو ما يسمى (مطمور) ليتعيش منه البشر طوال بقية فصول العام.

في مرحلة الانتقال من مرحلة البلح إلى التمر تمر النخلة بمرحلة “المبقع” حيث تتدرج البلحة من الاصفرار إلى الاحمرار وتسمى مبقعة أي نصف رطب ونصف بلحة إلى أن تصبح كلها تمرة طرية. في هذه المرحلة، مرحلة المبقعة، تتفاوت سرعة النضج في العرجون فبعض التمر أسرع من الأخر وبعضها يتأخر كثيراً في الانتقال إلى مرحلة التمر ..

الدورة من نهاية الخريف إلى مجئ الخريف الثاني فترة طويلة تجعل الناس مشتاقين لمتابعة مراحل نضج التمرة وبالذات مرحلة بين البلح والتمر. وقتها ينشط الشياب والقادرون جميعا على إمعان النظر في عراجين النخلة فادا تأكدوا من بدايات التداخل بيت الأصفر والأحمر يصعدون للنخل ليستمتعوا بقطف بواكير العينة أي المبقع قبل الآخرين، ومن ذلك نشوة ولذة ينفرد بها القادرون على الصعود خصوصاً الشياب .

في هذا الإطار حدثت القصة الآتية :

” (س) شاب نشط وحركي وضليع في صعود النخل والمباهاة بقطف ” المبقع” والتلذذ به قبل سائر الشباب الذين عادة ما يجتمعون صدفة أو بموعد ويتفاخرون بأسبقية تذوقهم العينة قبل غيرهم ايداناً بقدوم خير الخريف.

(س) بدأ جولته بمناطق “الغرابي” حيث النخيل الوافر المدلل من ملاكه، في الوسط شدت نظره عراجين نخلة ذات تراء وبهاء يدلان على منبت خصب وماء وافر خصها به ملاكها وفي أعاليها عراجين مكتملة الاصفرار مع بقع حمراء تغازل الناضر وتستتير نشوة الانتصار في سباق المبقع.

اقترب منها (س) وسارع بالصعود، فصاح به الوبار  المنشغل مع ابنته بسقي جداول القضب (الصفصفة) والتأكد من غمرها الكلي بالماء تنفيذاً لأوامر المالك، صاح بالشاب “هذه نخلة الجامع…انزل”.

الشاب لم يكترث لان الفقيه خاله والأغراء أقوى من أن يقاوم إضافة إلى أن الناس درجوا على هذه العادة المفرحة بقدوم الخريف وبعده “لقطاع” أي قطع العراجين من النخلة.

كل هذه الاعتبارات استحضرها “الوبار” الذي غازلته أيضا مطامع الحصول على بعض الجني له ولابنته مقابل الصمت على الاعتداء على نخلة الجامع ، وعندما خابت أماله قرر الانتقام.

سارع الشاب بصيده يستعرضه أمام أترابه وهم في الطريق إلى الجامع وتوافقوا على العودة غداً للنخلة. دخل الفقيه واستوي على مصطبته ومسك بالعصي وباشر في تحفيظ القران للطلبة، وفجأة ظهر “الوبار” مع ابنته كشاهدين يشكوان للفقيه الاعتداء على نخلة الجامع، وبعدها استدعى الفقيه “المتهم” للتحقق عن الواقعة. فسأله :

 من الذي أمرك لترقى نخلة الجامع ؟

            يا سيدي لقطف المبقعة قبل غيري

أعاد الفقيه السؤال:

             من قال لك أرقى لنخلة الجامع؟

بتفرح أمي وخالي اللي يكره الفرنسيس لأنهم بيأخذو منه ستة عشر ناقة .

من الذي قالك أرقى نخلة الجامع ؟

حسبتها نخلة خالي وأمي علمتني أن رزق خالي هو رزقنا جميعاً ويجب المحافظة عليه      من الآخرين.

كرر الفقيه سؤال…

    من الذي قال لك ارقي لنخلة الجامع؟

 يا سيدي الخراصة  برآسه الفرنساوي النهم سيأمر كعادته بقطع كل العرجون ليتقرب به للحاكم الفرنسي.

   من للي قالك أرقى لنخلة الجامع؟

ياسيدي “حالوه”   وريتها المبقعة وفرحت وبتبشر بها .

من للي قالك أرقى لنخلة الجامع؟

                   ياسيدي المبقعة تنبه الناس يردو بالهم من نخلهم.

   من الذي قالك أرقى لنخلة الجامع؟ 

يا سيدي العادة يا دادة والوبار وابنته شكوني لك لأني لم أتساهل معهم .

عندها صاح الفقيه بشباب “الفلقة” الذين أسرعوا بإحضارها وربط قدمي الشاب بها وعلت عصى الفقيه تضرب قدمي الشاب الذي اختلط ألمه بضحك زملائه وخصوصاً الوبار وابنته.

وعند الله تلتقي الخصوم

[1]  لجنة تكونها الإدارة الفرنسية لتقدير المحاصيل التي على أساسها تفرض الضرائب .

[1]   اسم السيدة التي كانت تقوم بالإعلان عن أخبار المناسبات والأوامر الحكومة لأهالي آقار .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :