روحي قصائدي التي لم أقلها بعد

روحي قصائدي التي لم أقلها بعد

هدى الدغاري

لا أعرف كيف لي ان اتحدّث عن علاقتي بالأحلام ، وهل انّ  الشعر  لا ينبُت إلاّ في تربة حالمة؟

هل أنا شاعرة تعيش الحلم وتروَض الكوابيس  تم تركن إلى ظلّ تينة  لتكتب قصيدتها؟

هل يمكن ان اعتبر  ان خيالاتنا التي تثقل رؤوسنا وتسكن ارواحنا  هي في الحقيقة  احلامنا، تلك الأحلام المفرطة في الخيال، المتمرّدة على قوانين الطبيعة فلا تستكين حتّى  تخرجَ في هيأة قصيدة؟!

هل قصائدنا هي احلامنا المؤجلة اوْ خيالنا المفرط في الحلم؟!

كنت دوما احلم ان اكون حديقة مثلا، او بابا  يفتح ويغلق في آن واحد

احلم ايضا، وانا اكتب بأنني جنس ثالث، يستبطننني مع آخر، قريني الذي لا ينفك عنيَ لحظة الكتابة.

هكذا تخرج مني القصيدة، او هكذا يأخذني خيالي الحالم وقت انبجاسها

 القصيدة  متعددة،  مركبَة،  كتلة من المناخات والأحاسبس المتناقضة متى تهيّأت داخلي، تُقذَف  للعلن!

أكتب بساق  على الأرض وأخرى معلّقة في سماء الأحلام!

هنا استحضر غاستون باشلار احد اهم المنظرين لعلاقة الشعر بالحلم عندما تحدث عن احلام اليقظة واعتبرها احلام ذوات ترى وتحسّ وتفكّر وتنصهر في أحلامها وهي تكتبها ، انصهارا كليّا.

أحلام اليقظة هي أحلام الأنا وهو يُرتّب الوجود ذاتيّا فيغيّر أماكن الأشياء وصورها وهيئاتها بل إنّه يغيّر ذاته فيُلبسها صورا مشتقّة من عالمه الشّعريّ المفارق بالضّرورة للواقع المرجعيّ.

ها أنا  ذا، اتحدث عن الحلم في ذاتي المزدحمة بافكار شتّى ورؤى وأشياء، ترسَبت فيََ وأخرى انبجست مني كحمم مشتعلة على ظهر قصيدة  ومع ذلك لم ازل

 مذهولة، غير قادرة على فهم هذا الحلم،  هذا  اللاشئ المترامي داخلنا لكن نقذفه  دون ان نعرف كنهه.

كيف لي ان استوعب ما يحصل لحظة خروج القصيدة ؟ هل انا لحظتها داخل الحلم بلحمي الحيَ

ام هو شرود ينتهي بخطف القصيدة والعود إلى الواقع!؟

احاول ان افهم هذا الانخطاف الذي يحصل لي نحو اماكن وازمنة قصيّة فأخال نفسي في دغْل وأنا في قاعة الدّرس مع تلامذتي أوأتلبَس بذوات لا تشبهني  في لحظة انخطاف كاملة  فاقول القصيدة على لسانها ثم أعود، تماما ،كمن سقط من علوَ شاهق منتظرا ارتطامه بالأرض فيجد نفسه سليما معافى!

أتذكر  حلما كان يتكرر دائما لي في ليالي الشتاء الباردة وانا طفلة مازلت في سنوات التّعلم الأولى ،  كنت كلما تمدّدت على سريري ورفعت عينيَّ المثقلتَين بالنّوم إلى زاوية مبللة في سقف الغرفة   تتحول إلى شخوص تتكلم وتتنقل في راسي وتتحول تلك البقعة المبللة بفعل الرطوبة  إلى دهاليز وممرَات معتَمة. بالكاد أنهض فزعة ،مخافة ان اسقط في دهليز او تبتلعني حفرة!

وعندما كبرت ابتلعتني تيارا ت الشعر ودهاليزه المظلمة وتقاطع العالمين العلني والسَري وصرت اكتب برأسين!

احدهما يرى العالم الموضوعي ويتتبع تفاصيله ويقتنص مشاهده بعيني بومة  وآخر  يصعد كسمكة نافرة من قاع البحر إلى الأعلى ليفتق  الجدار الفاصل بين هذا الواقع والحلم!

لأطلَ على العالمين في وقت واحد.

مرعب ان تقف برأسين بين عالمين،

رأس يرى مثلا  شجرة تنبت في ارض واخر يراها تنبت في سماء!

دخلت الشعر بهذا التقاطع العجيب بين الحلم والواقع  وبوجّه هلامي عارٍ من الأفكار، متلبِّس بدغل ونهر منساب على الأطراف وذهول  وخيالات متزاحمة  وسماء واطئة تطير فيها الوعول!

وأرض تنبت ببغاوات وقبرات!

لربيع يختبئ وراء التَلة

دخلت الشعر ام هو فيّ مذْ تشكًّلتُ على هيأة امراة؟! لست ادري؟! تسلقتني أغصانه الوارفة  وامتلات اصصي بتربته فصرت شجرة ويقطينة وورود مشكّلة من كل الألوان ونباتات متسامقة وأخرى تسري سريان الماء في جداول حقول حتى صار جسدي حديقة  ورأسي بيتًا

وروحي قصائدي التي لم أقلها بعد!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :