زواج القاصرات في ليبيا تحت حماية القانون

زواج القاصرات في ليبيا تحت حماية القانون

  • فدوى كامل – ليبيا

ليس من السهل الحصول على إحصائية رسمية شاملة لحالات زواج القاصرات أو الزواج المبكر في ليبيا، نظراً لصعوبة تجميع الأرقام والإحصائيات لكثرة عدد المحاكم وعدم وجود توثيق رقمي لها، بسبب حالة الفوضى والانقسام السياسي في البلاد غير أن صحيفة العربي الجديد نشرت في أحد تقاريرها أنها تحصلت من مصدر قضائي في مجمّع محاكم طرابلس، بأنّ 186 زواجاً لقصّر سجّلها مجمّع المحاكم ما بين عام 2011 وعام 2017 في طرابلس وحدها.

”لأنني بنت سيزوجونني لو كنت ولداً لتمكنت من مواصلة دراستي” هذا ما قالته أروى وهي طفلة تبلغ من العمر 13 سنة من مدينة الجميل وهي تودع صديقاتها في المدرسة وتدعوهن لزفافها الذي لاتعلم من تفاصيله إلا أن والدها قرر تزويجها خلال أسبوعين، لم تستوعب صديقاتها ما تقوله بل طلبن منها أن تقوم وتلعب معهن قبل أن تغادر.

في الوقت الذي لم تمنحنا محاكم أخرى إحصائياتها بعدد زيجات القاصرات إلا بإجراءات وتصاريح تعاونت معنا محكمة الجميل ومنحتنا إحصائيات عامي 2019  ـ 2020 حيث وثقت المحكمة 12 حالة زواج لفتاة قاصر عام 2019 تتراوح أعمارهن بين 16-18 عاماً، فيما سجلت إحصائية عام 2020 تسع حالات زواج لفتيات تتراوح أعمارهن بين 16-18 عاماً.

يبدو أن سارة الفتاة الوحيدة لأبوين منفصلين الذين قرر كل منهما أن يعيش حياة جديدة مع شريك آخر لم تشملها الإحصائية، حيث صادفنا والدها في محكمة الجميل أثناء تقدمه للقاضي بطلب منح إذن لتزويج ابنته باعتباره ولي أمرها، بعد أن ظلت الطفلة متنقلة بين المنزلين وتراكمت المشاكل في رعايتها ومن يكفلها فكان زواجها هو الحل للتخلص من المسؤولية التي يحمّلها كلاهما للأخر، لتجد الطفلة نفسها عروساً لرجل يكبرها بـ 14عاماً بزواج شرعي وقانوني.

زواج تلميذة بمحكمة زوارة

أثناء بحثي فاجأني منح المحكمة الجزئية بمدينة زوارة سنة 2019 الإذن بالزواج لفتاة عمرها 14 عاماً بناء على طلب ولي أمرها، يقول طارق الإدريسي أستاذ القانون والمحامي ”حاولنا إقناع ولي أمر الطفلة بالعدول عن قرار تزويجها، لكنه أصر على طلبه، ليزوجها من رجل يكبرها بـ 18 عاماً“.

نصت المادة السادسة من القانون رقم (10) لسنة 1984 بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهما على أن تكون السن القانونية لأهلية الزواج 20 سنة، غير أنه تم تعديل هذه المادة وفق القانون رقم 14 لسنة 2015 ليصبح سن الأهلية للزواج 18 سنة، واحتفظ كلا القانونين بالمادة التي أعطت للمحكمة حق منح الإذن بالزواج قبل بلوغ هذه السن لمصلحة أو ضرورة تقدرها بعد موافقة الولي.

وأوضح الإدريسي أن الخطورة في القانون تكمن في أن المشرع لم يحدد السن الأدنى للزواج ليترك الأمر خاضعاً لتقدير قاضي الموضوع (قاضي فرد)، فيما نصت الفقرة د من القانون 10 لسنة 1984 على أن هذه الفتاة القاصر لها الأهلية القضائية في رفع دعوى قضائية تطالب من خلالها المحكمة بتطليقها دون الرجوع لولي أمرها، موضحاً “بالرغم من أن الطلاق أكثر خطراً من الزواج على القاصر فقد منحها القانون المطالبة بهذا الحق دون ولي، في حين أن نفس القانون مكن وليها من تزويجها، أعتقد أن مثل هذه النصوص تعد سبباً من أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع الليبي“

بالإضافة إلى أن الواجبات الملقاة على عاتق الزوجة القاصر بمقتضى عقد الزواج هي نفس الواجبات التي تنص عليها المادة الثامنة عشرة من قانون رقم 10 لسنة 1984 بأنها ملزمة إضافة لواجب تمكين الزوج من ممارسة حق المعاشرة الزوجية، بالاهتمام براحة الزوج واستقراره حسياً ومعنوياً، والإشراف على بيت الزوجية وتنظيم شؤونه والمحافظة عليه، وحضانة أولادها منه والمحافظة عليهم وإرضاعهم، وأخيراً يقع عليها الالتزام بعدم إلحاق ضرر مادي أو معنوي بالزوج أو أملاكه.

ومن الجدير بالذكر أن قانون الأحوال الشخصية رقم 10 لسنة 1984 هو الساري في شرق البلاد والذي يحدد سن الزواج بعشرين عاماً، حيث أن التعديل الذي أجرته السلطة التشريعية في غرب البلاد عام 2015 لم يطبق في شرق البلاد التي تخضع لسلطة تشريعية موازية بسبب الانقسام السياسي.

بيع وشراء بين الأهل والزوج

هكذا تصف نورا قصة زواجها الذي لم تستوعب إلى الآن سبب موافقتها على زواج جمعها بصديق والدها وهي لم تكمل ربيعها الخامس عشر، اليوم وبعد ثلاث سنوات أصبحت أماً لطفلين وهي لاتزال طفلة، تقول في حديثها “لن أسامح أهلي الذين باعوني لهذا الرجل مقابل المال والجاه الذي أغراهم به لتتحول حياتي إلى جحيم، فقدت طفولتي وضاع مستقبلي وتعرضت للتعنيف بالسب والضرب حين طالبت بإكمال دراستي“.

حين حاولت نورا العودة لأهلها بعد ما عانته تخلوا عنها حيث تقول ”طالبت بالطلاق إلا أن والدي قام بإعادتي لزوجي بحجة أن الطلاق عيب وأن المرأة مكانها بيتها مهما واجهت، هذا الأمر جعلني أفكر في الانتحار مرات عدة“.

أعباء الحمل والاجهاض

عن التأثيرات الطبية لزواج القاصرات تقول عفاف شلغم وهي طبيبة نساء وولادة “يترتب على زواج القاصرات عدة أضرار للفتاة نفسها وعلى العائلة والمجتمع بصفة عامة، فالفتيات في هذه السن لم تكتمل بعد تغيراتهم الفسيولوجية ليكن قادرات على تحمل تغيرات ومشاق الحمل والإجهاض، فهن عرضة للمضاعفات الطبية من إجهاضات متكررة وضعف في نمو الجنين.

كما ذكرت الطبيبة أن الولادات المبكرة ينتج عنها مواليد خدج يحتاجون رعاية طبية من نوع خاص لا يكون للقاصرات قدرة على تحمله، وأنه في حال اكتمل الحمل لاتقوى الفتاة على الولادة الطبيعية لعدم اكتمال نمو عظام الحوض مما يضطر إلى ولادة قيصرية بكل ما فيها من مضاعفات.

وبحسب الطبيبة فإن القاصرات أثناء الحمل يكن عرضة للوحم أكثر من غيرهن وأكثر عرضة لمضاعفات أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم، والاضطرابات النفسية لعدم نضجهن وفهمهن لتغيرات الحمل، تروي الطبيبة ”بحكم عملى كطبيبة عاينت حالات خطيرة لقاصرات تهددت حياتهن وتعرضن لأخطار جسيمة نتيجة زواجهن في عمر صغير، الأمر يتطلب علاجاً شاملاً بدءاً بتعديل القوانين وانتهاءً بالتوعية“.

النظرة الدونية للمرأة والمجتمع الذكوري أحد أهم أسباب تفاقم ظاهرة زواج القاصرات حسب ما تقول سليمة معمر الأستاذة في علم النفس “بالإضافة لأسباب كثيرة أخرى مثل الأسرة والبيئة، وحقيقة كوننا في مجتمع ذكوري يعامل المرأة بدونية قد تصاب القاصر بالأمراض النفسية للأطفال مثل التوتر والعدوان على أطفالها كردة فعل أو أن تصاب بأمراض أخرى مثل القلق والاكتئاب، بل حتى الفصام، وقد تصل لدرجة الانتحار وحالات الهستيريا“.

نتائج سيئة على الفتاة وأسرتها

نفسياً حسب د.سليمة “معنى القاصر من الجانب النفسي هي من لم يكتمل نموها من الناحية النفسية، للفتاة التي يتراوح عمرها بين السابعة ولم تتجاوز 18 سنة تكمن خطورة الزواج في عدة جوانب أهمها عدم تقبل الزواج من أساسه وشعورها بأنها سلعة للبيع من أهلها، وعدم تحمل مرحلة الإنجاب ومسؤولية الأطفال، فالتغيرات الفسيولوجية التي تتعرض لها القاصر والتغيرات في الهرمونات تتزامن مع تغير جسمها بالحمل والولادة”.

كما تنتج تغيرات نفسية خطيرة تصاحب القاصر بعد زواجها حسب الطبيبة النفسية، مثل “عدم الرضا عن حياتها وعدم  تقبل نفسها لأنها طفلة، كما قد تمر باضطرابات نفسية وسلوكية ناتجة عن شعورها بالاغتصاب وهي في مرحلة الطفولة، وحرمانها من أسرتها ومن احتواء الأب والأم وافتقادها لأخوتها كطفلة”.

هذا فضلاً عما تعقبه أغلب زيجات القاصرات من مشاكل أخرى مثل التعرض للعنف الجسدي والجنسي وضياع فرصة التعليم وحرمان القاصر من حرية التعبير عن نفسها وعدم الرضا عن المجتمع.

آمال حمود الحاصلة على دكتوراة خدمة اجتماعية ذكرت أنها من خلال دراسة تم إجراؤها في فبراير 2020 عن أسباب ومعدلات الطلاق، لاحظت أن زواج القاصرات كان أحد أهم أسباب الطلاق لعدم تمكن الفتيات من تحمل المسؤولية واستيعابها، وترى أن النظرة المجتمعية السائدة لضرورة زواج المراة لأنها عورة وتحتاج إلى حماية ورعاية أثرت في بعض الأسر وجعلتهم يستعجلون في تزويج بناتهم.

عن معدلات تزويج القصّر تضيف آمال ”إن ظاهرة تزويج القاصرات خطيرة وإن كانت الأرقام المصرح بها قليلة، فنحن نتراجع لا نتقدم إننا اليوم نسمع عن تزويج طفلات بحجة أنهن نساء ضعيفات، لابد أن يسلط الضوء على هذا الملف بالشكل صحيح، والاهتمام بالتوعية المجتمعية والقانونية“.

أضرار ومخاطر هذه الظاهرة جعلت نشطاء وحقوقيين يقدمون طعوناً عدة في قانون الزواج أمام المحكمة العليا التي لم تبتّ في الأمر حتى يومنا هذا ولايزال القانون الليبي يرعى هذا النوع من الزواج ويشرعه.

تم إنجاز هذه المادة ضمن مشروع “الأحداث كما ترويها الصحفيات” المدعوم من هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة والمنفذ من قبل أكاديمية شمال أفريقيا للإعلام.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :