- عيسي رمضان
يظن كثير من المسلمين أنه بمجرد تأديته للصلاة والصيام والحج والضرب بنصيب فى النوافل، يظنون بذلك أنهم قد أدوا ما عليهم وأبرأوا ذمتهم، وأنه لا سبيل عليهم بعد ذلك وليفعلوا ما يشاءون، وكأنهم يعيشون بمعزل عن المجتمع وليس له حقوق عليهم
. وهذا الفهم الذى تعلوه الغشاوة أودى بنا إلى الانفصام في شخصية المسلم، فوُجِد في المسلمين من يصلي الفجر في جماعة وهو آكلٌ أموال اليتامى ظلمًا وعدوانًا، ووجد منهم من يحافظ على صيام النوافل ولا تلقاه إلا صائمًا ومع هذا يؤذي جيرانه بالسيء من القول، ووجد منهم من يحافظ على أداء الحج كل عام لابسًا الثياب البيض وقلبه أسود من الفحم فى منجمه مانعًا إخوته حقوقهم في الميراث
. أيها الكرام الأخيار هذا الانفصام في شخصية المسلم وفي سلوكه وأدائه في الحياه مخالف للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، فلا بد للمسلمين من فهم المقاصد الأساسية للشريعة والتفرقة بين العبادة الفردية والعبادة الاجتماعية.
فالعبادة الفردية هي التي يعود نفعها وثوابها على فاعلها فحسب، ونصيب المجتمع منها يكاد يكون معدومًا إذا نظرنا إلى تأثيرها بصفة مباشرة، أما العبادة الاجتماعية فهي التي يعود ثوابها على فاعلها كما يعود نفعها على المجتمع من حوله “فالزكاة مثلاً أحد الوسائل الهامة التى أراد الإسلام من خلالها تعميم منفعة المال، وبذلك أرسى قواعد التكافل الاجتماعى؛ لأن الإسلام بطبيعته دين اجتماعي وليس دينًا روحيًّا فرديًّا تنحصر مهمته فى صرف الناس عن دنياهم إلى أُخْرَاهم؛ وإنما مهمته أن يأخذ بيد الإنسان إلى الطريق الذى به سعادته فى دنياه وأخراه، فالإسلام يرى أن سعادة الآخرة من سعادة الدنيا، وقد أراد الإسلام من وراء تشريع الزكاة أن يجعل منها تَهذيبًا للفطرة الإنسانية من ناحية، ومن ناحية أخرى تنظيمًا لشئون المجتمع “. وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين العبادة الفردية والعبادة الاجتماعية بإشارات لطيفة منها ما رواه أبو هُرَيْرَةَ قَالَ:-
قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا, قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ.