أدب الحديث وانتخاب الألفاظ

أدب الحديث وانتخاب الألفاظ

عبد الحق امحمد القريد.

تتميز اللغة العربية عن باقي لغات العالم بأنها لغة فيها من البلاغة ، وجودة ، وجزالة اللفظ مالم يتوفر فى جميع لغات العالم الأخرى التي تهدف إلى بناء مجتمع أكثر رقيا ، وفق قيمه ، ودينه ومن هنا يكون المدخل إلى عالم التألق ، والإبداع وفق معطيات البلاغة ، وفروعها ، وتعريفاتها، ومن ثم نلاحظ جزالة اللفظ، ووضوح ، وشفافية المعنى ،عند الخطيب ، والكاتب ، والأديب ، والشاعر خاصة الذين نهلوا من علوم القرآن الكريم ، والحديث الشريف، وخطب الأولين، وأشعارهم . بل انتقل استخدامها حتى في اللهجة العامية فقد عرف المتحدث أساليب راقية في اختيار اللفظ بما لايخدش الحياء ، ويمكّن المستمعين جميعا من الاستمتاع بالجلسة كبارا، وصغارا آباء ، وأبناء و هو ما يعرف لدينا ( بميعاد الأجواد ) وفي اللهجة الليبية ثراء قل نظيره في استخدام وانتخاب الألفاظ التي تتسربل برداء الحياء . يزيدها روعة الاستخدام الأمثل، والتوظيف الحسن : في المقام الحسن ، وكما يقولون لكل مقام مقال . فهو يحدثهم عن زيارته إلى صديقه، واحتفائه به، ويسألونه عن دواعي الزيارة ( إياك لا شغلة ) أو ( إياك لا سو ) فيرد فورا لا ماهناك إلا الخير . عنده ( بنية مسقدها ) أو ( مظهّرها) أو عنده ( فرح ولده ) أو ( جاه اوليد فارح بيه امحللة )، وإن كانت مناسبة متعلقة بأمور أخرى للفرح فيخبر من سأله باختصار شديد لايثير فضول الآخرين، ويسكتهم عن أي استفسار آخر( عنده مناب). هذه الأحاديث الرائعة الراقية تنم عن خلق رفيع ، وأدب جم ، وقس على ذلك في كثير من استخداماتهم لمفردات جميلة فلا يأمر أحدا يريد منه قفل الباب بلفظة اقفل أو ( سكر). بل يستخدم ( زين ) ويخبرك عن أحدهم قد كسر ذراعه فيقول: ( جبر ) ذراعه حتى في العد يقولون ( واحد الله لاثان معه وهكذا إلى نسعدوا و أصحاب رسول الله ) ، وعند مقارنة أسلوب أحاديت اليوم ومافيها من ألفاظ. إن لم نقل نابية فهي فاضحة إضافة إلى استخدام مفردات فتحت الباب على مصراعيه لكل سلوك معوج ، وأخطاء تتكرر حتى غدت وكأنها جزء من قيم المجتمع ( متعدلش ) توازي تماما تأشيرة بعض المسؤولين بل جلهم ( لامانع) فلفظ ماتعدلش افعل مايحلو لك ،وقل ما تريد ، والبس ماتشاء بدون حشمة ، أو احترام للمقابل لأنه لاقانون اجتماعي يردع ، ولامكان لكبير من ناس ، وقيم. كل عيب يصبح مسموحا به ( ماتعدلش ) وزاد بعضهم ( عليه) وعليه هذا قد يكون أب ،أو عم، أو خال، أو معلم، أو شيخ طاعن في السن ،أو إمام جامع. ماتعدلش عليه يعني لا قدر ،ولا احترام له ، وأضف هذه المفردة اللعينة ( ماتعدلش ) إلى ( لا مانع ) بخط الوزير والمسؤول أي لايوجد مايمنع من اتخاذ الإجراء. فتشطب وتلغى كافة القوانين والقرارات بتأشيرة بسيطة لا تأخذ وقتا المهم عجبه المكتوب، ولا يرى ضررا شخصيا له ،أو لمكانه الوظيفي فوجد أسهل تأشيرة واضحة ( لا مانع ) ووفقا لتداعيات (لامانع )هذه تصاغ قرارات ،وتتخذ إجراءات ، وتغلق مكاتب ، وتنشأ بلديات ،وهيئات ، ومراكز ، ومستوصفات ، ومستشفيات ، وسفارات ، وقنصليات ( لامانع) فقط كلمة واحدة تنقل موظفا وتعيى إجازة وتصرف مكافأة وتمنح درجة فلا مانع هذه تأشيرة واضحة لتجاوز قد لاتعرف نتائجه، ولا تحمد عواقبه فهي في أقل تقدير تمنح إجازة لموظف ليس له رصيد. هذا الاستخدام المفرط لبعض المفردات يحول المسار السليم لسير مجتمع بكامله إلى طريق مسدود ؛ يدخله وهو ينوي إقامة دولة ، وإسعاد شعب ليعيش في نعيم مرجو ، وأمان حقيقي، وحضارة يطمح إليها، وتجبر شعوب العالم على احترامه ، واحترام إرادته في دولة آمنة مطمئنة مستقرة. ناهيك عن خلل يكتنف ثوابت مجتمع مسلم محافظ منظبط لغة، وسلوكا يعرف كل فرد فيه حدود حركته ،ومجال نشاطه ،ومتى يتحدث ، ومتى يستمع يفيد، ويستفيد مجتمع خالٍ من الأحقاد، والضغائن، والسلبيات يعمل بصدق ،وأمانة لا يخون، ولا يتهاون ، ولا يتمارض. يعرف أفراده بأنهم في وطن يستحق أن يخدموه، ويستحقون العيش فيه مواطنون مخلصون، وليسوا ( خماسة) أو مروا به سياحة هذا الوطن المنشود ليس مشروع حضاري يبنيه مجموعة من النخب. إنه وعاء لكل قاطنيه وبمختلف تخصاصاتهم، ومهاراتهم، وقدراتهم، وتنوع ثقافاتهم ، وسنهم، وجنسهم. إذن عندما نتحدث عن أدب الحديث، وانتخاب الألفاظ نجد أنفسنا داخل محيط كبير، وعميق يمثل وطنا أعمق وأكبر وأوسع فمفردات الكلام لم يخترعها جيل نعرفه، وطريقة التعامل والمعاملة، والسلوك أمر هذبه الدين ،وأوجدته قيمٌ تم الاتفاق عليها دون اجتماع إنه اتفاق ضمني لمجموعة من سلوكيات درج الجميع على اتباعها، ولم يسألوا من أوجدها فهي ليست مكتوبة ،ولا مختومة ،ولم يصدر بنصها قرار حكومي، ولا مرسوم ملكي إنها تعاليم القرآن الكريم ،والحديث الشريف ،وخطب، ووعظ، وسلوك الأولين من المربين ساسة ،وفقهاء ، ومعلمين، وقادة، وعلماء متخصصين في شتى العلوم هذا المجتمع الذي نحاول أن نعود إليه هو المجتمع المتكامل الذي يجسد روعة الناس، ومدنية سلوكهم، وحبهم لوطنهم ،ومن ثم قيل عنه مجتمع محافظ لا يعرف لباسا غير لباس الحشمة ولاقول إلا جميل القول ورقي العبارة ،وجزالة اللفظ. مجتمع مؤدب يشع حلما ،وأدبا، وتعاونا، ومعاملة عرفوها. فقالوا الدين المعاملة لا عاق لوالديه، ولا مسيء لجيرانه ،ولا متلفظا بفاحش القول ،ولا غريب الكلام. لايتسكع شبابه مرتديا مايخدش الحياء العام ،ولا تجد فيه من يستخدم أدوات التخويف للمارة بالشارع ،ولا من يزعج أناسا آمنين فى بيوتهم هذا المجتمع المنشود وفق أدب الحديث، وانتخاب الألفاظ فمعظم النار من مستصغر الشرر الوطن يحب مواطنيه، ويكره الخيانة وكل قول، أو فعل ينافي ثوابت الوطن الدينية، والاجتماعية هو خيانة من مواطن لوطنه. فلا تخونوا الوطن بتصرفاتكم وأقوالكم وليس في هذا الموضوع للقول تتمة فهو مفتوح للزيادة والتعديل والإفادة إنه مشروع وطن خال من استخدام السلاح كلغة للتفاهم ، وخال من الانفلات كسبيل لفرض الذات الوطن وعاء لكل جميل لأنه جميل ،ولنكن أبناءه البررة لأننا لن نجد من يبيعنا وطنا، وهو غير قابل للبيع فلن نجد مبتاعا له إلا من سيجعلنا عبيده. بعد أن نبيعه وطننا مفرطين في قيمه ودينه هذا التقصير، والتفريط الذي سيخلق منا ضعفاء يسهل افتراسهم هم ووطنهم.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :