غرفة ولادة في نص الوسادة

غرفة ولادة في نص الوسادة

للشاعر د.سيد البهي / الشاعرة شريفة السيد

 استطاع الشاعر تقسيم هذا النص إلى أقسام محددة ، كل منها يعتبر غرفة ولادة لنص جديد أكثر بذخا.. أو كأنها شجرة الميلاد ذات النقوش والزخرف البديع بصورها المختلفة الجديدة الماتعة.

ترتيب دقيق للعناوين ولكن :

_لا حلم بلا وسادة

_لا أرق بلا وسادة

_لا حياة بلا وسادة

_لا موت بلا وسادة

هذا الترتيب يحتاج إلى إعمال العقل والتفكير في حيثياته؛ لأنه يعبر عن رحلة الحياة الإنسانية بعامة،  ليس لدى الشاعر وحده وإنما لدى كل انسان على وجه الأرض.

إنها قضية عامة انبثقت من قضية خاصة. والانتقال من الخاص إلى العام يعطي النص إضاءات أوسع ويجعله أكثر رحابة من الانغلاق على الذات.

***

براعة استخدام الزمن في النص :

ويتضح استخدام الزمن والاستفادة من مفرداته المتعددة، في كل مقطع، بما يتناسب مع الجو العام للمقطع، وللحالة التي يفرضها عنوان كل مقطع..

_ ففي الحلم يسير الشاعر صاعدا في زمن الليل مع أجواءه الهادئة ونسيمه العليل  وصولا إلى الندى.

_ وفي الأرق يسير منحدرا إلى هوة وقش وطين وكوابيس لا تهدأ.

_ وفي الحياة نجد ثدي الأم بداية الطفولة ومرورا بمرحلة الشباب وصدر الحبيبة، وصولا إلى مرحلة النضج والأحلام المراوغة.

_ وفي الموت نجد دمعة الحزن على الراحلين من حياتنا، وهي للأسف دمعة صامتة،  تنوح بكل أسى على حياة كئيبة بدونهم.. دمعة تنادي عليهم رغم صمتها ولكن بلا فائدة.

فنعود نحن مع الشاعر في نهاية الأمر فرادى وحيدين، بلا معشر الأحباب. بل بلا رجوع أيضا لبداياتنا التي كانت أكثر جمالا وأكثر زخما.

والعودة للماضي دائما تؤرقنا ونتمناها بلا جدوى. إذ أننا نعيش الحياة مرة واحدة ولا مفر من الموت.

.***

التأكيد على الإرادة الإلهية:

النص يرصد مراحل الوجود الإنساني بعامة وكيف نعيشه. فيه اعتراف بأن الإرادة الإلهية هي المتحكم الأول والأخير في هذا الوجود الإنساني، وفي الكون بكل ما فيه من معاناة وأفراح وآلام حتى تأتي النهاية، لحظة الخروج من الحياة.

**

عمق فلسفي

__________________ 

ونجد عمقا فلسفيا حقيقيا ينطوي عليه النص. ورؤية فلسفية تؤكد على الحضور الديناميكي في نفس الشاعر، وفي لاوعيه الشعري.

حيث يتفق الوعي المعرفي مع اللاوعي الفكري وقت كتابة النص.

إذ لا يمكن أن يكون الشاعر قد خطط لهذا النص ووضع هذه الخطة قبيل البدء في الكتابة. !!

بينما جاء الوحي متفقا تماما مع خطة بدء الحياة ومراحلها، وصولا إلى المنتهى من عمر الإنسان.

وأعتقد؛  لو أن الشاعر خطط للنص بطريقة ممنهجة او بخطة عملية، واعمل ذهنيته لفبركة العناوين، لما كان أبدع في التخيلات والصور الفنية البديعة المبتكرة، ولجاءت بلاغته  بنوع من الجفاف؛ لكن التلقائية والعمق الفلسفي هما اللذان أنتجا نصا بديعا كهذا، دونما تكلف أو تزاحم لفظي فج،

بل إن براعة الشاعر ظهرت في استطاعته تسكين كل مفردة في غرفتها التي تناسبها تماما، وأجلسها على عرش معناها في المكان المناسب من الغرفة.

***

التمكن والقبض على الموضوع :

_______________________

إذ كان الشاعر يدور في فلك الوسادة فقط الوسادة ، بكل ايحاءاتها المعروفة، ولكنه رغم تقسيم العمل إلى الأقسام السابق ذكرها لم تنفلت منه الفكرة ولم تترهل، بل أحكم القبض عليها، ونبهنا إلى ضرورة التخلي عن الزوائد والحشو اللفظي الممجوج.

***

هذا النص يجب أن يُدرس للناشئة من المبدعين

_______________________

فالشاعر يريد أن يقول :

لا يقاس الإبداع بطول النص أو قصره. ولكنه يقاس بمدى عمق الفكرة والقدرة على طرحها بشكل مكثف وهذا ما حدث. هنا بالضبط.

،

إنه نص  أدبي لشاعر معاصر ، استطاع أن يدخل به من بوابة المعاصرة والالتزام بمعايير الجودة الفنية في الشعر.

أحسنت يا شاعرنا المبدع المحلق

دمت بإبداع ورقي.

وإذا كان هذا جزء من قصيدة الوسادة فما بالنا بالبقية الباقية منه….؟

.. النص

* جزء من قصيدة  (الوِسَادَة ) :

١- “ﻻ حُلْمَ بلا وِسادة

أَسِيرُ فِيهِ صَاعِدَاً

زَمَنَ اللَّيلِ

شَجَرَةً ذاتَ أَجْنِحَة

نَسِيمُها عَلِيلٌ

وظِلُّهَا نَدِى “

٢- “ﻻ أَرَقَ بلا وِسادَة

أَسِيرُ فيه مُنْحَدِرَاً

لِهُوَّةٍ من قَشٍ وَطِينٍ

وغاباتٍ كَئِيبَةٍ

كَوابِيسُهَا  ضَارِيَةٌ

ﻻتَسْتَكِين” “

٣- “ﻻ حياةَ بلا وِسادَة

ثَدْىِ أُمِّى

وَصَدْرُ حَبيبتِى

وأُمْنِيَاتٌ مُراوِغَةٌ

ﻻتَنْتَهِى”

٤- “ﻻ مَوْتَ بلا وَسَادَة

تَشْهَدُ فى خُشُوعٍ

دَمْعَةً صامِتَةً

ونِداءً للأَحِبَّةِ الرَّاحِلِينَ

لِرِحْلَةٍ وَحِيدَةٍ  

بلا رُجُوعٍ”

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :