كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [الأنعام: 54]
وانظر كيف جمع الله جل وعلا بين ما كتبه على نفسه من الرحمة وبين توبته على عباده.. ولذلك ختم الآية بالجمع بين صفتي الرحمة والغفران.
أخي.. إن رحمة الله جل وعلا قد وسعت كل شيء.. وإن معالمها ومظاهرها في كل شيء.. فبرحمته خلق وأوجد.. وبها أحيا وأعطى.. وبها رزق وأشفى.. وبها يتوب على عباده ويغفر.. فكيف يعرض مسلم عن التوبة إلى الله والرجوع إليه وهو يدرك أن رحمة الله سبقت غضبه.. وأنه ما دخل الجنة من دخل.. ومما نجا من النار من نجا إلا برحمته وغفرانه.. فهذا رسول الله r يقول: «لا أحد يدخل الجنة بعمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».
أخي.. أقبل على الله يقبل عليك.. فإنه سبحانه يقبل العفو.. ويغفر الذنب بل إنه سبحانه يفرح بتوبتك أيما فرح.. فلا تحرم نفسك من رحمة الله بإعراضك عن التوبة.
أخي.. إن من أدرك أن رحمة الله تسع ذنبه.. وأن الله جل وعلا قد أوجب عليه الرجوع إليه.. وأنه موعود بقبول توبته بل وإثابته عليها.. ثم لا يزال يتردد في التوبة والاستغفار.. لقليل العزم.. مغبون!
أخي.. قال تعالى: }وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الزمر: 33-35].
فانظر رعاك الله كيف قسم الله أعمال المتقين إلى عملين: الأول عمل سيئ والثاني عمل حسن, وبين سبحانه أنه جزاهم على الإحسان إحسانًا.. وكفر عنهم السيئات.. وهذا من رحمته سبحانه بهم ولو حاسبهم على ما عملوا لاستحقوا العقاب.. وهذا يؤكد رحمة الله تعالى.