( قرآءة قانونية حول الإشكالية المتعلقة بطبيعة القرار رقم (153) بشأن تسوية أوضاع الممكنين الصادر من قِـبل اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل سابقاً في 24-3-2008م )

( قرآءة قانونية حول الإشكالية المتعلقة بطبيعة القرار رقم (153) بشأن تسوية أوضاع الممكنين الصادر من قِـبل اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل سابقاً في 24-3-2008م )

كتبه :: أ .. علي الشريف 
إن لكل ارتباط يحدث بين الدولة والأفراد الطبيعيين طبيعته ، ولكل طبيعة أساس من القانون ، وقد أكد الفقه الليبي أن وسائل الارتباط الوظيفي للأفراد بالدولة تنحصر في وسيلتين هما ( القرار الاداري والعقد الاداري ) ، ولكل أحكامه ، وبالنظر في القرار رقم (153) محل الفتوى اتضح بما لا يدعوا مجلاً للشك وجود علاقة قانونية بين من شملهم القرار والدولة ؛ مُـمَـثَّـلَـةً في اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل سابقاً ، والسؤال الذي يطرح هنا هو : ماهي طبيعة هذه العلاقة القانونية ؟ هل هي علاقة عقدية ؟ أم أنها علاقة لائحية تنظيمية ؟
من خلال الاطلاع على فحوى هذا القرار تبين أنه يخرج من إطار العقود الادارية ويدخل في إطار القرارات الادارية لاعتبارين :
الأول / إن القرار محل الفتوى صدر عن اللجنة الشعبية المختصة بإرادتها المنفرد دونما أي مشاركة من الأفراد ، وهذا من المعايير الفاصلة بين القرارات الادارية والعقود الادارية التي يلزم مشاركة الأفراد في تأسيسها ، فالعقد شريعة المتعاقدين .
الثاني / إن القرار محل الفتوى صدر بناءً على القانون رقم 55 لسنة 1376 و.ر بشأن الخدمة المدنية ، وكما هو معروف حال صدور القرار محل الفتوى أنه لا يخضع لقانون الخدمة المدنية رقم 55 إلا العلاقات اللائحية المبنية على القرارات الادارية ، أما العلاقات التعاقدية المبنية على أساس العقود الإدارية فهي خاضعة لقانون العمل ، ولا يضير في ذلك خضوع بعض العقود الإدارية بشأن التعيين ( العقود المصنفة ) لقانون الخدمة المدنية رقم 55 ، فهذا الخضوع الاستثنائي لا يغير من طبيعتها العقدية ، ولا يمس بالأصل العام في كون أن ما يخضع لقانون الخدمة المدنية رقم 55 هي القرارات الإدارية وليست العقود الإدارية .
على هذا فإن القرار محل الفتوى هو تصرف إداري يعبر عن علاقة تنظيمية لائحية وليس عقدية ؛ نظراً : أ / لكونه صادر من سلطة عامة وبإرادتها المنفردة دونما أي مشاركة من الأفراد المخاطبين به ، ب / لكون صدوره على أساس قانون الخدمة المدنية وليس قانون العمل .
وبمعرفة طبيعة العلاقة القانونية التي رتبها القرار محل الفتوى بقى لنا أن نعرف فحو أو موضوع أو محل هذه العلاقة ؟ أي ما هو موضوع القرار محل الفتوى ؟
يعرف الفقه القانوني محل القرار الإداري بأنه “الأثر القانوني الذي تتجه إرادة جهة الإدارة إلى ترتيبه عند إصدارها لقرارها ، ويتمثل هذا الأثر القانوني في إنشاء المراكز القانونية أو تعديلها أو إلغائها” ، وهذا التعريف يذهب بنا لطرح التسآؤل التالي : ما هو الأثر القانوني الذي شاءت إرادة الجهة مصدرة القرار محل الفتوى ترتيبه ؟
الإجابة تكمن في التالي : إن الأثر الذي شاءت إرادة اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل ترتيبه أو انشاءه أو استحداثه من خلال القرار رقم (153) محل الفتوى هو تعيين أو توظيف المخاطبين به لديها ، ويعزز هذا الرأي أمرين :
أولهما / إنه ومما لا شك فيه أن المخاطبين بهذا القرار لم يكونوا مكتسبين للصفة الوظيفية قبل صدوره ، فقد اكتسبوها من خلاله ، وباتوا إثر صدوره موظفين عموميين ، وهذا ما اتضح بجلآء من عد أمور تمثلت في :
1 / تأسيس القرار محل الفتوى على قانون الخدمة المدنية رقم 55 لسنة 1376 و.ر ، وهذا دليل كافي على أن الجهة مصدرة القرار محل الفتوى شاءت إرادتها من إصدار هذا القرار اضفاء الصبغة الوظيفية على المخاطبون به ، وكما أسلفنا سابقاً أنه لا يخضع لأحكام هذا القانون كأصلٍ عام إلا الموظفين ، وهذا ما أكدته المحكمة العليا في أحد أحكامها التي عرّفت فيها الموظف العام على أنه “الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو تشرف عليه ؛ ومن ثم تسري عليه جميع قوانين ولوائح الخدمة المدنية بما فيها من حقوق وواجبات” راجع : الطعن الإداري رقم 22/16ق ، بتاريخ 24/1/1971م ، م م ع ، السنة الرابعة ، العدد الثالث ، ص 27 ، وقد أيد هذا الرأي الفقه القانوني الليبي في تعليقه على مدلول الموظف العام الذي أبدته المحكمة العليا في حكمها السبق بالقول أنه ( يفهم من قول المحكمة العليا في تعريفها للموظف العام على أنه “الشخص الذي … تسري عليه جميع قوانين ولوائح الخدمة المدنية بما فيها من حقوق وواجبات” أن القضاء يشترط لإضفاء صفة الموظف العام أن يكون الشخص المعني يرتبط بالإدارة بعلاقة لائحية تنظيمية ، بمعنى أن يخضع في ممارسته لوظيفته لأحكام قوانين ولوائح الخدمة المدنية … ، أما إذا كانت علاقة المستخدم بالإدارة هي علاقة تعاقدية صرفة تخضع لأحكام قانون العمل فإنه لا يعد موظفاً عاماً ) ، راجع : أ- د . محمد عبدالله الحراري ، أصول القانون الإداري الليبي ، الطبعة السادسة ، 2010م ، منشورات المكتبة الجامعة – الزاوية ، ص 366 .
2 / سياق ( تسوى الأوضاع الوظيفية ) ، الوارد في مطلع المادة الأولى من القرار فيه اقرار ضمني من الجهة مُصْدِرَةُ القرار محل الفتوى بصفة الموظف العام لكل المخاطبين بهذا القرار ، فتسوية الأوضاع الوظيفية “من ترقية ونقل وندب وإعارة وإحالة تحت تصرف الخدمة” لا تكون لغير الموظفين ، وقد أكد الفقه القانوني الليبي على ذلك في بيانه لمفهوم الأوضاع الوظيفية بقوله ( يقصد بالأوضاع الوظيفية مختلف التغيرات التي تطرأ على مسيرة الوظيفة ابتداءً من تاريخ استلامه للعمل وحتى تاريخ انتهاء خدمته ؛ كترقيته ونقله وندبه وإعارته وإحالته تحت تصرف الخدمة المدنية ) ، راجع : أ- د . محمد عبدالله الحراري ، أصول القانون الإداري الليبي ، مرجع سابق ، ص 408 .
3 / سياق ( تسوى الأوضاع الوظيفية للممكنين من العمل ….. كلٌ حسب مؤهله “ودرجته الوظيفية” ) الوارد أيضا في المادة الأولى من القرار محل الفتوى ، وهل يُـتَـصَـوَّرُ أن تُمنح الدرجة الوظيفية لغير الموظفين ؟ ، إن منح الدرجات الوظيفية يؤكد بجلاء ودون أي لبس إصباغ الجهة مُـصْدِرَةُ القرار الصفة الوظيفية لمن صدر القرار في حقهم ، وباتوا منذ لحظة صدوره موظفين عموميين ، وهذا أيضاً ما تؤكده مراسلات الوزارة المتعددة ؛ والتي لطالما أقرنت صفة الموظف مع اسم أي عنصر شمله خطاب القرار محل الفتوى .
ثانيهما / إن اكتساب الصفة الوظيفية لا يتأتى إلا من خلال قرار تعيين يصدر من جهة مخولة قانونا بإصداره ، وهذا الرأي يؤكده حكم المحكمة العليا الذي قضى بأنه ( … ، وقرار تعيين الموظف يعتبر عملاً شرطياً يتضمن إسناد المركز الوظيفي كما حددته القوانين واللوائح إلى الموظف المعين ، … ) راجع : الطعن الإداري رقم 25 لسنة 23 قضائية ، بجلسة 12/5/1977م ، م م ع ، السنة الرابعة عشر ، العدد الأول ، ص 42 ، وقد أكد الفقه القانوني في ليبيا هذا المنحى للمحكمة العليا بقوله ( يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً أن يكون قد التحق بالوظيفة العامة وفقاً للشروط والأوضاع المقررة قانوناً لشغلها ، بمعنى أن تقوم الجهات المختصة في الدولة بتقليد الشخص الوظيفة العامة بمقتضى قرار إداري أو وفقاً لعقد استخدام تبرمه معه ، … ، ومن ثم فإن كل من يتولى القيام بوظيفة عامة دون موافقة مسبقة من الجهة المختصة بالتعيين فيها يُـعَـدُّ غاصباً لها ؛ ولا يكتسب بالتالي صفة الموظف العام ، … ) ، راجع محمد عبدالله الحراري – أصول القانون الإداري الليبي – مرجع سابق ـ ص 365 .
فالتعيين شرطٌ لاقتضاء الصفة الوظيفية ، وبدونه لا يمكن استحداث أو انشاء هذا المركز القانوني ، وبحكم أن المخاطبين بالقرار محل الفتوى لم يكتسبوا الصفة الوظيفية إلا من خلال هذا القرار ، فإنه من المؤكد أن هذا القرار هو قرار تعيين ؛ نظراً للآثار القانونية التي رتبها بداية من منح الصفة الوظيفية وانتهاء بالخضوع لقانون الخدمة المدنية في جميع ما رتبه هذا القرار من حقوق والتزامات ، وعلى الرغم من الخطأ القانوني الذي وقعت فيه اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل حال إصدارها لقرار لهذا القرار والمتمثل في تمكين الموظفين من أعمالهم بناءً على قرار تسوية بدلاً من قرار تعيين ، إلا أن هذا الخطأ غير مؤثر ، لأن آثار التعيين المتمثلة في إنشاء العلاقة التنظيمية اللائحية (اسبال الصفة الوظيفية) واخضاعها لقانون الخدمة المدنية في جميع حقوقها والتزاماتها قد تحققت من خلال القرار (153) محل الفتوى ؛ والذي كان من المفترض أن يصدر بصفة تأسيسية ( قرار تعيين ) للمركز القانوني المستحدث ( الموظف العام ) ، لا أن يصدر بصفة تكميلية ( تسوية أوضاع الممكنين ) ، فالمركز القانوني ( الموظف العام ) لا ينظم إلا بعد استحداثه عن طريق إحدى القرارات الإدارية الفردية ؛ عُـهِـدَ بتسميته بـ ( قرار التعيين ) ، وقد عُـرِّفَـتِ القرارات الإدارية الفردية بأنها تلك ( التي تتوجه بخطابها إلى فردٍ معينٍ أو إلى أفراد محددين بذواتهم بأن تنشئ أو تعدل أو تلغي مركزاً قانونياً شخصياً متعلقاً بهم ، ومثالها قرارات التعيين في الوظائف العامة ، وقرارات الترقية ، وقرارات التأديب ، وقرارات نزع الملكية للمنفعة العامة ، وقرارات منح التراخيص … إلخ ) راجع : أ- د . محمد عبدالله الحراري – أصول القانون الإداري الليبي – مرجع سابق – ص 595 .
إزاء كل ما تقدم نصل للتالي :
1 / إن القرار رقم 153 الصادر من اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل في 24/3/2008م هو قرار تعيين مرتب لجميع آثاره من إنشاءٍ للمركز القانوني ( الموظف العام ) لكل المخاطبين به وتنظيم الآثار القانونية لهذا المركز القانوني ( تسوية الوضع الوظيفي ) في جميع حقوقه والتزاماته ، وكل ذلك استناداً على قانون الخدمة المدنية رقم 55 لسنة 1376 و.ر والذي لا يخضع له قانوناً إلا الموظفون العموميون .
2 / إن صدور القرار رقم 153 محل الفتوى بغير الصيغة المعتادة في اصدار قرارات التوظيف لا يؤثر على صحة قيام المركز الوظيفي للمخاطبين به ، لأنه ما كان للجهة مصدرة القرار أن تسوي الأوضاع الوظيفية لمن شملهم القرار مالم تكن مقرة لهم بالصفة الوظيفية من الأساس ، وما تجاوز الجهة مصدر القرار لصيغة التأسيس ( قرار تعيين ) وتناولها مباشرةً مسألة تنظيم آثار المُـؤَسَّـسُ ( المركز الوظيفي ) من خلال ( تسوية الأوضاع الوظيفية ) إلا دليل على إقرارها الضمني بالمركز الوظيفي الناشئ عن هذا القرار ، فتسوية الأوضاع الوظيفية للموظفين العموميين تلزم أولاً الاعتراف بالصفة الوظيفة ، وفي غياب هذه الصفة يستحيل تناولها بالتنظيم قانوناً .
3 / الإدارة العمومية ليست بمعزل عن الأخطاء في أعمالها ، وما عليها حال التنبه أو التنبيه به إلا والتوجه مباشرة نحو تصحيحه ، فإذا كان الخطأ سنة فالإصلاح واجب ؛ ووجوب الإصلاح متأةٍ من كونه حقّاً للأفراد على الإدارة شرعاً وقانوناً .
عليه نأمل من الإدارة القانونية لوزارة العمل والتأهيل معالجة الخطأ القانوني المتعلق بصفة القرار محل الفتوى ؛ نظراً لتأثر مراكز الأفراد المخاطبين به حال انتقالهم إلى جهات حكومية أو حال تقاعدهم ، والأمر في هذا يستوجب إصدارَ خطابٍ رسميٍّ إلى كافة مؤسسات الدولة العامة يؤكد صفة التعيين للقرار رقم 153 لسنة 2008م الصادر من اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل بشأن تسوية أوضاع الممكنين .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :