كتب :: محمد عثمونة
هذا الحدث الذى يتصدر الأخبار منذ قرابة شهر أو يزيد . والتي كانت قنصلية آل سعود بإسطنبول مسرحاً لأحداثه . واشّتغلت وانّشغلت به دول كثيرة وجهات عدّة . فتعاطت معه . وسعت لتوّظّفه وفق رؤاها وتوجهاتها , لتجعله بتداعياته وارتداداته يصب ما استطاعت فى خدمة مصّلحتها . فذهبت هذه التوّظيفات وفى مجّملها , إلى اجتزاء ما يناسبها منه . وما قد يُسّندها ويدعمها في تطّويعه وتوّظيفه لخدّمة مآربها . فجاءت وبكل ذلك . صورة هذا الحدث . منّصبّة على جزئية واحدة منه . وفقط . لتُحمّلها صورة الحدث برمّته . مما نتج عنه – في تقديري – غياب المسّتهدف الحقيقي من هذا الفعل . وتغّطية وإخفاء الأيادي التي صنعت . وكانت من وراء الحدث . ولازالت – في تقديري – تتحكم في خيوط إدارته . الجميع قد تعاطى مع الحدث إلا القليل . وكل حسب موّقعه من الحدث . قرّبا وبعّدا . يدا واهتماما . فمثلا . الغرب الأطلسي الأنجلومريكي . تعاطى مع الحدث على نحو نفّعي ابتزازي فج . في حين . كان الغرب الأوربي تحّكمه رؤاه ومبادؤه في مقارباته . فجاء الحس الإنساني ظاهراً على لسانه . أمّا من هم على جغرافيات الشمال الأفريقي وشرق المتوسط . فقد جاءت تفاعلاتهم مع الحدث . إن وُجِدت . بعيدة عن هذا الذي تمور به المنطقة ويعصف بجغرافياتها . فدعونا نحاول تمرير مقاربتنا هذه . عبر هذا الذي يسعى نحو صياغة وتشكيل المنطقة . بأبعاد تتناسب مع مصالحه . معتمدين في ذلك على تسليط قليل الإضاءة من فتيل وقبس الاستفهامات . على المفردتين الأساس في حدث قنصلية إسطنبول . فقد تتكشّف لنا عبر هذا التناول . جوانب كانت غائبة عن المشهد. فتكتمل بها صورة الحدث . ولكن قبل الشروع في طرحنا وتناولنا هذا . دعوني أسجل المَشَاهد الأخيرة للحدث . وهي تظهر أمامنا . متّجهة به . نحو بن سلمان للف حبالها . حول رقبة شخصيته الاعتبارية . لتجعل منه قتِيل قاتل . إن لم تنجح فى ترّويضه وتدّجينه وتطّويعه لمآربها . كما أسلفنا سنتكئ في تناولنا هذا . على علامات الاستفهام في جميع خطواتنا نحو نهاية الطرح . فدعونا نتساءل منذ البدء بالقول :- ما هى الأسباب والظروف التي جاءت بابن سلمان – أحد المفردات الأهم في حدث قنصلية إسطنبول – إلى المشهد السعودي . وجعلته يحتل ويتصدر الأحداث صوتاً وصورة . داخل مملكة آل سعود ؟ . هل هي مساعي المملكة . لتقول من خلاله لرعاياها . بأنها قد تخلّت عن الإدارة التقليدية للمملكة . التي كانت دواليب توّجيهها وإدارتها . بيد الكهول . لتُسلّمها وعن طيب خاطر . لأيادٍ وأفكار شابة ؟ . وهل الذهاب بهذه الأيادي الشابّة أيضاً ومن خلالها . نحو فتج أبواب الإصلاح داخل مًلًكيّة آل سعود . تحت شعار عنوانه (رؤية 2030) . جاءت لتؤكد بها المملكة . لرعاياها ولمن يهمه الأمر . جدّية مسّعاها نحو الإصلاح . في دنيا الواقع السعودي ؟ . ولكن التساؤل الأهم في تقديري . يقول :- ما هى الأسباب التي دفعت آل سعود للتحرك نحو فتح أبواب الإصلاح , المُغلقة بأقفال وهّابية . منذ قُرابة قرن من الزمان ؟ . هل هي محاولة منهم . لاحتواء تداعيات ثورات الربيع العربي على دولتهم . فاتجهوا مرّغمين لفتح هذه الأبواب وبأيادٍ شابّة . في خطوة استباقية . لتفادي التداعيات السلبية على عرش مَملكتهم ؟ . ومن هنا واتكاءً على الاستفهامات السابقة . هل نستطيع القول . بأن أحداث قنصلية إسطنبول . جاءت في الواقع لمحاصرة التداعيات الإيجابية لما عرف بثورات الربيع العربي ؟ . وبصيغة أخرى أقول . هل الأيادي التي كانت من وراء أحداث القنصلية . قد قرأت مُسبقا . خطورة تداعيات فتح أبواب الإصلاح الموصدة بأقفال وهّابية منذ قرابة قرن من الزمان . على البيئة الحاضنة لوجودها بالواقع السعودي . والتي ستتداعى على أيادي الإصلاح . من خلال الذهاب مع الرؤية الإصلاحية . في اتجاه العمل على نقل المجتمع
السعودي . من مجتمع نفطي ريعي اتكالي . إلى مجتمع إنتاجي حيوي . قد يجعله الإصلاح مع مملكته يشب عن الطوّق . ويصنع بذلك مضلّته الخاصة به . ليحّتمي بها . وسيستغني عن مضلات كثيرة . كان قد استضل واحتمى بها سابقاً . وهل هذه الأيادي أيضاً قراءة فى فتح أبواب الإصلاح الموصدة بأقفال وهّابية . صعود قراءة جديدة للنص المُقدّس . يدفع في اتجاه خلق بيئة جديدة . تحّتضن الإصلاح وتستحث خُطاه . وهذه ستنهض وبالضرورة على أنقاض البيئة والحاضنة السابقة ؟ والآن وقد استوفينا استفهاماتنا . عن المفردة الأهم في حدث القنصلية . دعونا ننتقل إلى المفردة الأخرى . التي نهض عليها الحدث . والتي تتمثل فى شخص الإعلامي جمال خاشقجي . لنعالجها بذات الاستفهامات . ولكن قبل الشروع في هذا التناول المسّتَفهم . ولكي يستقيم الطرح . سأسوق وأتعامل مع هذه الشخصية . كرمّزية لنُخب هذا الفضاء الجغرافي الواسع . الذي يتحدث بذات اللسان . فأقول مُتسائلا :- ما الذي دفع هذا الإعلامي المنّخرط في كادر الدولة العميقة ببلاده . أن يتخذ خطوة تضعه في خندق المعارضة الناعمة؟ وبصيغة أخرى من الذي أعاد وتدخل في تشكيل وعّي هذا الإعلامي . فتخلّق لديّه وعي جديد . دفعه إلى الخندق المعارض ؟ . هل هي حناجر الجُموع الهاتفة والمطالبة بالحرية في ساحات وميادين ما عرف بثورات الربيع العربي ؟ هل هذه الحناجر في هتافاتها كانت من وراء إيقاظ وعي هذا الإعلامي من سباته ؟ .
وأعادت له وعّيه المفقود . فشاهدناه يُصيغ شعاراً يُحاكيها به . يقول (الديمقراطية للعرب الآن ) . ثم ذهب ليرّفعه ويقف به في الخندق المقابل ؟ . ولكن وبعد كل الصياغات الاستفهامية السابقة . هل نستطيع إيجازها وفي المجّمل , بالقول إن من هزّ وعي هذا الإعلامي واسّتعاد له وعّيه من غيبوبته . هي هتافات وشعارات ساحات وميادين ما عُرف بثورات الربيع العربي ؟. ولكن دعونا نسوق استفهاماتنا السابقة . على وجه آخر لنقول :- هل الأيادي التي كانت من وراء حدث قنصلية إسطنبول . قد قرأت خطورة . استعادة هذه النُخب لوعّيها . واستنتجت باكراً . بأن في ذلك إرباك وعرقلة لمشروع إعادة تشكيل هذه المنطقة . كما خططت وتُريد . فذهبت هذه الأيادي .إلى كيّ وعى نُخب هذه المنطقة . في شخص الخاشقجي ومن خلاله . لإخافتها وترّهيبها . بفعّل دموي عنيف . كانت أداته أحداث قنصلية إسطنبول ؟ . وهل هذا التمديد والتمطيط في التعاطي الإعلامي . مع حدث قنصلية إسطنبول . هو فى واقع الأمر توّسيع في عملية الكيّ . للوصول من خلاله إلى نتيجة حاسمة لإعاقة الوعي وشلّه ؟ . وإذا كان هذا التمّديد والتمّطيط . وجه من وجوه الكيّ الرئيسية . فهل هذه المنصّات الإعلامية التي تتعاطاه . تعتبر المرّبض الرئيسي لتلك الأيادي العتيدة ؟ .
والآن وبعد كل ما سقناه , هل نستطيع الذهاب مجدداً بالقول . إن أحداث قنصلية إسطنبول جاءت في الواقع لحصار وخنق التداعيات الإيجابية لثورات الربيع العربي على شعوب ودول المنطقة . في نُخبها وفي كل خطوة تدعم تيار هذه الثورات على نحو مباشر أو غير مباشر ؟