الملكيّة فِي ليبَيا

الملكيّة فِي ليبَيا

  • شكري السنكي

المَلِك يقبل بحكم قضائي أتى فِي صالح مواطن لا صالحه !

فِي زمن دولة القانون والدّستور، الزمن الزاهر بقيادة المَلِك الرَّاحـل إدْريْس السّنُوسي، صدر قرار فِي العَام 1954م يقضي ببطلان الأمر الملكي بحلِّ المجلس التشريعي بولايّة طرابلس، وإلزام المدعي عليه بدفـع المصاريف، والمقصود هُنا المَلِك الرَّاحـل إدْريْس السّنُوسي – طيّب الله ثراه. كان الدستور هُو المرجع الّذِي يحتكم إليه جميع الِلّيبيّين حكاماً ومحكومين، والحكم القضائي محترم من قبل الجميع، سواء مَنْ صدر الحُكم لصالحه أو صدر ضدَّه. وفِي زمن المملكة بليبَيا، احتكم الجميع للدستور والتزموا به وحتَّى المعارضون الّذِين كانوا فِي البرلمان أو فِي مواقع أخرى غيره، لم يسجل عنهم أنهم طعنوا فِي الدستور أو طالبوا باستبداله بل إنهم استندوا إليه واتخذوه حجة فِي العرائض الّتي قدموها إِلى المحاكم ودوائر فض النزاع بينهم وبين الحكومة مِن جهة أو المَلِك مِن جهة أخرى، ومِن أشهر تلك القضايا عريضة الدعوى المؤرّخة فِي 31 يناير 1954م الّتي رفعها علي محمّد الديب (1922م – 13 نوفمبر 2006م) رئيس المجلس التشريعي بولايّة طرابلس، إِلى المحكمة الاتحاديّة العليا طالباً إصدار حكمها فِي دستوريّة المرسوم الملكي القاضي بحل المجلس التشريعي لولايّة طرابلس الغرب, واستند الديب فِي عريضته إلى الدّستور والقانون الأساسي لولايّة طرابلس، فقد رأى أن قرار حل المجلس صدر بأمر ملكي وليس بمرسوم ملكي كمَا يظن البعض، وأن الأمر الملكي خالف المادة «36» مِن القانون الأساسي لولايّة طرابلس والمادة «85» مِن الدّستور، وبناءً على ذلك، طالب مِن المحكمة إبطال الأمر الملكي القاضي بحل المجلس.
نظرت المحكمة الاتحادية العليا فِي الدعوى المقدّمة إليها، وأصدرت بتاريخ يوم الإثنين الموافق 5 أبريل 1954م قرارها المؤيد لموقف علي الديب، وحكمها القاضي ببطلان الأمر الملكي الصّادر فِي 19 يناير 1954م بحل المجلس التشريعي لولايّة طرابلس، وكانت تلك الجلسة أولى جلسات المحكمة الاتحادية فِي تاريخها، وكان اختباراً صعباً وليس هيّناً، ولكن نتائجه جعلت منه يوماً تاريخياً خالداً، وانتصاراً لحكم القانون والدستور، حيث خضعت السّلطة الحاكمة لحكم القضاء وقبلت به، وهي واقعة سبقت بها ليبَيا دول المنطقة، ولم يعرفها أي قطر عربي غيرها. وقد نُقل عَن الفقيه القانوني المشهور شفيق إمام أحد مستشاري مجلس الأمّة الكويتي، فِي العَام 2003م، تعليق عَن أحكام المحكمة العليا، فقال: «يُعد حكم المحكمة العليا فِي القضيّة المرفوعة ضدَّ المَلِك إدْريْس فِي العَام 1954م سابقة ديمقراطيّة ودستوريّة انفردت بها ليبَيا منذ سنين عَن باقي دول العالم العربي».

تعليق: شكري السنكي
21 أكتوبر 2020م

* الحكم منقول عَن كتاب: «قضاء المحكمة العليا – مِن تاريخ إنشائها فِي 10 نوفمبر 1953م لغايّة 14 يونيه 1958م»، الصّادر فِي العام 1967م عَن «القضاء الإداري والدستوري»، الجزء الأوَّل / الطبعة الثانية، والّتي صدرت بتكليف مِن صاحب الفضيلة الشّيخ منصُور المحجوب رئيس المحكمة العليا.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :