لا

لا

 تَنّوَه  ” ما يشبه ترسب التجارب والمعرفة ”

سعاد سالم 

لام أليف  

الرد على نفي تهمة ما، لنقل أنني كسرت كوبا افتقدته أمي فيما أنا فقط من كان في الكوجينة عندما انكسر، فتسألني أمي: كسّرتيه ماهو؟ فأقول: لا ، فترد بدورها: لاماليف! وهى هنا بمثابة حكم قضائي أتحول به من متهمة إلى مدانة، ولكن لاماليف لها دور في نضج الـ لا التي تجري على ألسنتنا بسلاسة في محاولة تجنب تحمل مسئولية أفعالنا، لذا لاماليف كانت في حوشنا وكأنها فرصة تأمل داخلية في لحظات قصيرة وحاسمة، لأن حين تقولها أمي لي يعني أنها لن تعاقب جَبَانة مثلي، لأن لاماليف تقفل الملف ،هل قصدي واضح؟

 لذا أفكر أحيانا في الكم الهائل من كلمة لا في الطفولة، والتي لطالما كانت ولاتزال وستبقى لا  المعترضة أي لا الشجاعة، قبل التحول الفسيولوجي ومايصاحبه من تغيرات هرمونية وذهنية فينا وما يستتبعه من عقد وارتباكات،تشوه لا الوجودية التي نعبّر بها كأطفال عن كينونتنا لتصبح لا الخوّافة التي نتصور أنها تحمينا من عقوبة محتملة، وهو الخلط الذي يصعّب علينا التفريق بينهما فيما بعد كبالغات وبالغين، أعني أن لا الوجودية المعبرة عن رفض شيء بإرادة حرة، تختلف تماما عن لا الخّوافة المنتشرة في المجتمع كما لو كانت وباء.

 ولأننا صرنا نعرف أن لا لها عواقب، وجدنا دائما كلمات أخرى تؤدي إلى نفس القرار لا ولكنها مراوغة وهى تلك ال لا الخاصة بنا كمجتمع ليبي أو هكذا هيئ لي ، والتي تلخصها حنّاي في:  الفمّ ما يقول لا والحاجة ماتنقضى. وذلك حتى صادف وأن أجبت أحدهم هنا بالهولندية عن سؤاله ب (يا، مااار) وتعني نعم ولكن، فقال لي على الفور (يا، ماار) تعني لا،  إينعم إنها ال لا الخوّافة، ولأنها كذلك فهي تجد طريقة ما ،غير المباشرة لتفصح عن نفسها.

وأتصور أن ثمة تناسب طردي بين قمع لا الطفولة وبين غزارة سماعها من الأشخاص البالغين، أعني لا المُكر، لا الفجة أو حتى لا المراوغة و طبعا الكثير من لا التي لا تقال ولكن الحاجة ماتنقضى.

تحرّكات لا السياسية

من لا ينزعج من لا والتي تعني دائما الرفض أو المعارضة، مايُشعر الناس بالاحباط أو عدم التقدير حين تُرفض طلباتهم، سواء ب لا الصريحة في صلفها أو الجبانة المراوغة، أو حتى في تلك الجمل التي لا تحوي أي دلالات على وجودها فيها ،لأنها لا تلبس أقنعتها بل تغير نفسها تماما بنفس الراديكالية التي تعبر عنها ، لأنها ستكون لم، ولن، وليس ،و مازال، تصوروا لم اعتقد أن مازال أداة نفي إلا حين أتأمل وظيفتها في لغوتنا، مازال، وتعني الانتظار الايجابي وهو واضح في المثل( اللي يستّنى خير مللي يتمنى)، كما وأن مازال في مرحلة أقل إيجابية تعني الأمل، وبملاحظة هذه الصور سنعثر على تعبير سياسي (من فنون المسايسة) بالغ الأهمية يسمى الترويض، أو تشتيت الانتباه عن لا،  لأن مازال تنزع مخالب الغضب، وبالتالي ردود الفعل لأشخاص ليس لديهم ما يخسروه في مواجهة لا المتكبّرة. 

في خرّافة مشهورة تحكي عن أن أمٍ حطت رشاد في قدر عالنار وخلّاته يغلي، صغارها الجوعى يسألونها بين الحين والآخر ، يام طاب لعشي؟ فترد: مازال ، وهكذا حتى أطبق عليهم النوم.

وفيه لو، أنها صورة أخرى من لا وهى أكثر عنادا لأنها لغة المرفوض، أي أن الشخص الذي واجهته لا بأي صورة كانت سيستخدم لو ليعبر عما كان سيحدث لولا تلك ال لا، غير أنها لشدة خطورتها جد في مواجهتها الثيوقراط ، وذلك لأن لو ،كما هو واضح ،تحمّل المسئولية لمن لديه سلطة الرفض والمنع،فحذرونا : إن لو تفتح عمل الشيطان.. فيما هى تفتح باب المحاسبة.

تحركات لا الاجتماعية

تشبه لا المقص لو أمكن قول ذلك، ليس شكلا فحسب بل وفعلا أيضا، لهذا في بلاد زي هولندا يمكنني قول لا دون أن أشعر بالحرج ، ولا تقطع المقص لا أي علاقات لي مهما كانت واهية،لكنها قد تقص علاقات عائلية واواصر وثيقة في ليبيا ،بسبب أنها تؤخذ على محمل شخصي، وفيما تمشي الناس  مع مذكراتها الصغيرة التي يحافظ على استخدامها جيل خيسكا، توقف الأمر في ليبيا عند مكالمة تلفونية يقرر فيها الضيف مثلا كل تفاصيل زيارته والتي غالبا ستكون في اليوم التالي ان لم تكن في نفس يوم المكالمة. 

هنا في روتردام:

ما رأيك أن نخطط لشرب قهوة ،أقول بريما ، متى؟ تقول لحظات، وتخرج مذكرتها لترى جدولها الشهري وليس فقط الاسبوعي ، حسنا مارأيك في يوم كذا بتاريخ كذا ، لا افضل في يوم كذا! اوكي وتنظر مجددا كما لو كان موعدا عند طبيب الاسنان، هل سجلتيه ؟ نعم أنا استخدم ال كالندر على موبايلي، فتبتسم.

ثم يصادف أن أقول لا ليس لدي رغبة، فتطلب مني الاسترخاء على أن نخرج في موعد آخر، فلاش باك،

أمي: امشي لخلتك فلانة قوليلها فاضية لعشية أمي بتجي تهدرز ،الرد غالبا : قوليها تفصلي وهذا كان تطورا ملحوظا عن طرق البيبان والدخول مباشرة في قلب الزيارة. إذن هذه ال لا المقموعة اجتماعيا تنفصل بها اللام والألف والناس بعنف، لو تهور أحدهم وقالها .  

   ولكن ثمة لا مهمة، لا صريحة وواضحة وفضلا عن ذلك عنيدة، وغالبا لا وجود لخاتمة ثالثة لها غير النصر أو العقاب، إنها لا الطفولة ،تلك ال لا الشجاعة التي كانت تسلب السلطة من البالغين و لا أعني انها لا غير الناضجة، بل أعني ، أنها لا المندفعة والعفوية أو التي تصدر بعد قليل من التفكير ،، لأنه وعلى الرغم من كل التخويف منها والبطش بقائلها أي بقائل لا الوجودية التي تعبّر عن الإرادة الحرة لصاحب الـ لا، فإن كل التغيرات الايجابية إنما حدثت بفضلها وليس ب نعم. انظر/ ي التاريخ ( كل أنواع الحركات المناهضة للعنف والحروب والتمييز والاستغلال، حركت البشرية إلى منطقة أعلى، نحو تعديل القوانين والمواقف والسلوك، وبالتالي المزيد من الحريات) مازاد عدد الأشخاص الذين يعون وجودهم وأهمية لا

لذا حين تقمع ال لا ، وهي الجزء الضروري من الإتصال والتواصل، لأنها تساعد على وضع الحدود والتأكيد على القيم الشخصية أو شكل الحياة والقناعات ،تصبح لا  في سياق العلاقات تعني:  يتمنعن وهن راغبات.

وعدم قول نعم، لن تعني لا، إنما تعني: السكوت علامة الرضا.

الملخص

قال : ماذا تريد؟

قلتُ : أريد أن لا أريد.. النفري 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :