بقلم :: إبراهيم عثمونة
بعد خمسين عام أو نحو ذلك سيكبر طفل عمره اليوم أربعة سنوات أو ثلاثة ، وسيحكي لأطفال ذلك الزمن / أنه كان يرى رجلاً كل مساء يخرج وفي يده كتاب ، وكان بعد كل اسبوعين تقريباً أو شهر يتغير الكتاب الذي في يد الرجل بكتاب آخر ، وأحياناً يكون الكتاب صغيراً وأحياناً أصغر وفي أحياناً أخرى يكون كبيراً حتى أن الرجل تجده ينقله من يده إلى يده الأخرى وهو في الطريق إلى مكانه على أطراف القرية . لم أر يومها مَن يحمل كتاباً في يده . الكل يحمل أكياساً في يده ، لكن لم يحدث أن رأيتُ مَن يحمل كتاباً ، لذلك كنتُ أسأل أبي وأمي لماذا لا تحمل الناس كتباً وتشارك هذا الرجل في مساءاته ، أو لماذا لا يضع هو كتابه ويحمل أكياساً كما الناس ، وكان أبي وأمي يبتسمان لي ولا يردان بشيء.
كان هذا الرجل يخلع حذائه عند بداية الكتيب الرملي الممتد حتى ضريح “سيدي قاسم” البعيد ، ويمشي حافياً مسافة قبل أن يصل مكانه ، وكنتُ اشاهده عن بُعد كيف يتكئ على مرفقه الأيسر ويقرأ ولا يمل ولا يعتدل في جلسته حتى أذان المغرب حين أراه يرفع رأسه صوب المئذنة البعيدة . كم تمنيتُ يومها لو اشاركه القراءة ، لو أمشي خلفه وفي يدي كتاب ، وكنتُ سأفعل لو لم ترحل أسرتي إلى المدينة بالشمال ، ولا أعرف اليوم أين هو الرجل . لا أظنه ما زال على قيد الحياة ، فهذا كان يحدث قبل خمسين عام ، ولا أذكر أسم الرجل وكل ما أذكره أنه طويل اشيب الرأس وكان يحمل كتاباً وكانت الناس تحمل أكياساً.