أ.د. محمد الطاهر الجراري :: رئيس مجلس إدارة المركز الليبي :: للمحفوظات والدراسات التاريخية
حتى لا نخطئ الحساب كان ولازال وسيبقى الجنوب صمام الأمان للشمال، وباختصار سنستعرض ذلك تاريخيا وجيو-سياسياً واقتصادياً وسكانياً ونختم باقتراح لحلول.
العصر الفينيقي (الألف الأول ق.م)
ازدهر الشمال وبالذات لبدة وصبراته وأويا بفضل التعاون والاتفاقيات التي أَبرمت بين الفينيقيين في الشمال والجرمنت في الجنوب .
العصر الإغريقي ( الألف الأول ق.م)
الإغريقي كالفينيقيين إستفادوا وأفادوا الليبيين وروجو لهم التجارة مع العالم خصوصاً تجارة السيلفيوم فَنَعَمتْ قورينا والمُدن الشمالية الأخرى بالأمن وازدهرت ونمت.
العصر الروماني
مع بداية الوجود الروماني أي ما بين 86و 75 ق.م أقلقت قبائل الجنوب الليبي الشمال ، واستمرت مقارعتهم للحكم الروماني إلى زمن حكم الإمبراطور أغسطس الذي اضطر لإرسال حملة عسكرية كبيرة سنة 19 ق.م على رأسها كورنيليوس بالبوس الذي أمن الشمال باستلائه على الجنوب وعاصمته جرمة وبهذا الانتصار حظى القائد بالبوس باستقبال لا يقام إلا للقادة العظام الذين يحققون انتصارات عظيمة لروما .
وفي عام 69م عاودت روما حربها على الجنوب بقيادة فاليريوس فيستوس لتأمين الشمال وفي سنة 96م توصلت إلى عقد تحالف مع الجرمنت ، به استطاعوا تأمين الشمال وازدهاره عن طريق التجارة بين ليبيا وأفريقيا واوربا .
وفي نهاية القرن الثاني وبداية الثالث الميلاديين اضطربت الأحوال الأمنية في الشمال بسبب هجمات القبائل الجنوبية مما اضطر الإمبراطور سبتيموس سيفيروس (193- 211م) وأبنائه من بعده لوضع خطة دفاع جديد عن الشمال تتكون من خطي دفاع الأول جنوب المناطق الساحلية ويتكون من عدة حصون ومزارع مُحصنة لتشجيع الليبيين على الاستقرار بالمزارع المحصنة مع حاميات قوية في غدامس والقرية الغربية وأبو نجيم ووادي الكوف. أما الخط الثاني فيمتد على طول الحدود الليبية مع السودان.
في العصر البيزنطي ( القرن الخامس والسادس الميلاديين)
وفي القرن السادس أمنت السلطة البيزنطية الشمال بحملة عسكرية كبيرة أرسلها الإمبراطور جستنيان بقيادة القائد بليزاريوس لإعادة السيطرة وطرد بقايا الوندال والقبائل المساندة لهم وهذه كلها موثقة في ملحمة الحرب الليبية الرومانية التي ترجمها المركز سنة 1980م.
ونظراً لتحول اهتمامات الرومان لتأمين أملاكهم في الشمال من هجمات البرابرة الجرمان وغيرهم أهملت السلطة البيزنطية دفاعات ليبيا وتركتها للظروف.
في العصر الإسلامي (القرن السابع الميلادي ومابعده)
بعد مجيء المسلمين ودخولهم برقة وطرابلس سنة 642م ، أدركوا أهمية الجنوب لتأمين الشمال الذي لم يسلم من الغارات شبه الدائمة من الجنوب فقاد عقبة بن نافع حملة استولت على جرمة وزويلة وزله وودان وتوغلت حتى كاوار على الحدود السودانية ، في القرن الحادي عشر اشعل قراقوش (1073م) فوضى استمرت طويلاً وانعدم فيها الأمن والمال مما اضطر الجنوب لطلب المعونة من مملكة كانم لإنهاء الفوضى وإعادة التواصل الآمن بين الشمال والجنوب.
في مرحلة الجهاد( القرن العشرين)
مبكراً انطلقت من مساجد الجنوب سنة 1871 أول دعوات الجهاد ضد المؤامرات الأوروبية على العالم الإسلامي ، وتجسيداً لهذه الدعوة شارك الجنوب في معارك الهاني وعين زاره وبير طبراز وجندوبة، وانطلقت من عندهم ثورة التطهير في نوفمبر سنة 1914، والتي أدت إلى انسحاب الإيطاليين من كل المناطق وتحصنوا في مواقع ضيقة على الساحل ، ونتيجة لهذه الانتفاضة حدثت معركة القرضابية التي شارك فيها الجنوب جنوداً وقيادات.
ونتيجة للأهمية الجيوستراتيجية للجنوب لم يطمئن العسكريون الإيطاليون لمجرد الاحتلال للجنوب لكنهم زادوا تحصناً وتحوطاً بتحويل كل الجنوب إلى منطقة عسكرية لا سلطة مدنية عليها كما في الشمال واستمر الحال كذلك حتى نهاية الوجود الإيطالي بليبيا.
في مخاض الاستقلال
وبعد الحرب العالمية الثانية قاوم الجنوب المحاصر من جميع الجهات فرنسا في أكثر من منازله أبرزها ثورة عبد القادر بن مسعود وعندما سعت فرنسا لسلخ الجنوب عن ليبيا وربطت الاقتصاد والتعليم والثقافة في فزان بمناطق نفوذها في تونس والجزائر ، رفض الفزازنة ذلك وأصروا على ليبيا الموحدة رغم ما عانوه من تقتيل وتشريد للأهالي المعارضين وملاحقة لموفدي فزان في اللجان التي كونتها الأمم المتحدة للنظر في استقلال ليبيا.
كان الموفد من فزان تشحنه فرنسا بالولاء لها وتهدده بالويل والثبور إذا لم يفعل فيغلبه الطموح لليبيا ويصوت لصالح ليبيا الواحدة معرضا نفسه وأهله للملاحقة والعقاب . حدث هذا لأغلب أعضاء لجنتي الواحد والعشرين والستين ، ومنهم تعلمنا سياسة ” يكون خير إن شاء الله ” هذا الرد الدبلوماسي الراقي على الصحفي السائل عن موقف فزان من وحدة ليبيا . فإذا أجاب مع فرنسا خان شعبه وطموحه وإذا قال مع ليبيا نال الملاحقة له ولأهله المحتجزين تحت حكم فرنسا في الجنوب.
وبعد التصويت الأممي لاستقلال ليبيا ، الجنوب وحده من طلق فرنسا وأصر على خروجها من أراضيهم حباً لليبيا ووحدتها.
هذه نماذج فقط وغيرها اكثر وذكرها هنا جاء للتأكيد بأن الجنوب في السراء والضراء كان مع ليبيا.
جغرافيا:
فزان رقعة مساحتها الكلية 866.566.9 كم مربع.
جيو-سياسيا:
هي652.9 كم حدود مع تشاد.
392.0 كم حدود مع النيجر.
830.6 كم حدود مع الجزائر.
اقتصادياً:
الجنوب هو مصدر مياه ليبيا وموطن ذهبها وجزء كبير من مخزون نفطها والكثير الكثير من المعادن .
سكانيا :
فزان هي البوتقة التي انصهر فيها الإفريقي بالبربري بالفينيقي بالأوروبي بالعربي بالتركي دائداً عن أمن وسلامة الشمال كما استعرضنا تاريخياً.
هذه المسافة الحدودية الطويلة والمساحة الجغرافية الواسعة والثروات الطبيعية الغنية يحميها جماعة من البشر عددهم ما يقارب المائة ألف نسمة فقط.
وبما أن القاعدة الاستراتيجية الصحيحة دائما تقول الأرض بالسكان بمعنى إذا وجدت أرض بدون سكان فهي لمن يسكنها.
لهذه الأسباب مجتمعة على سكان الشريط الساحلي الممتد من السلوم إلى رأس جدير طرح ما يزيد عن ثلث مساحتهم الحالية والإستعداد لصراع البقاء مع المُلاك الجدد.
أو، الخيار الثاني، نشر حاميات وجيوش على هذه الأرض الواسعة والتي ستكلف البلايين من الأموال والملايين من البشر .
أو، الخيار الثالث ، الاهتمام الجدي بالسكان الذين يتملكون ويحرسون هذا الامتداد الجغرافي والاقتصادي والسياسي الواسع والمسمى الجنوب أو فزان ، كما يسميها البعض.
أو ،الخيار الرابع، الجنوبي حامد شاكر قنوع صبور كنخله الذى يحتمل الحر والعطش الشديدين ويتمايل مع الرياح ولكن لا ينحني وعنه تعلم الجنوبي قيمه ومنه أخد الجنوبي غذائه ودوائه وكسائه وسكنه وشرابه وكيفه.
فإذا غاض الماء وجفت الجذور ، ومات النخل فليس أمام الجنوبي إلا: