لموت أحدهم

لموت أحدهم

  محمد بن مانع

(اسمع سأقول لك شيئا ولكن إياك أن تخبر به أحدا!)

لن أنسى كلمات التحذير تلك، ظهيرة صيف قائض، فجعني ذلك الفتى، لم أفهم سبب إبلاغه لي أنا بالذات.

(سيأتي بعد قليل صديقي عبدالله شاكيا صديقنا صالح)

في البدء لم أهتم البتة، رغم أن عبدالله أتى إلينا، مشتكيا من صالح، ولكني توقعت أن القصة محبوكة ومعروفة قبل أن تروى.

(أرأيت يا أستاذ؟ لقد جاء كما وصفت لك)

لم أعرف فارس كما يجب إلا في تلك الرحلة المدرسية، كنت أراه كما أرى أي طالب في المدرسة، لا يميزه أي شيء سوى صمته، ونظراته التي لا تنقطع

( يا أستاذ، أنا أشعر بالأحداث قبل وقوعها، أعرف كل ما سيأتي، أشعر به، كأنه يُرسم أمام عيني، ولكني لا أستطيع أن أتكلم)

توقفت لامبالاتي عند صوته المتحشرج، صعقت، ووقف شعر جسدي كأنه مفترس، حبست أنفاسي لبرهة، وتصنعت عدم الاكتراث ففجعني بشيء مخيف شعر به

( يا أستاذ، سنموت كلنا، ستنقلب بنا الحافلة، ولن ينجو أحد سواك، أريدك أن تذهب لبيتنا، وتخرج من تحت فراشي صندوقا، فيه حل سري هذا)

مضيت وأنا لست بمصدق، جهزت أمتعتي، وحزمت حقائبي، ثم اتجهت إلى طلابي، استحثهم الرحيل، غصت في مقعدي، ساهم الفكر، خائف من مصير لم أصدق حدوثه، أتأمل الطلاب جميعا، فأراهم في لعب وضحك إلا فارس، كان قلقا، خائفا، بعيدا عنا كل البعد، وهذا ما أخافني أكثر، عدت إلى مقعدي ولم تكتمل جلستي إلا وحافلتنا تدور بمن فيها، لا أتذكر أي شيء سوى صوت فارس

(هل صدقت يا أستاذ؟)

كنت الناجي الوحيد من بينهم، رغم تعرضي لكسور ورضوض، لم أفق من غيبوبتي إلا بعد أسابيع، أفقت وكأني كنت نائما لساعات قليلة، عرفت أن الأمر كان جلل من تجمع الأطباء وأصدقائي المعلمين، عرفت أني نجوت بأعجوبة.

مر وقت طويل ولم أذهب إلى بيت فارس، لأكتشف سره الذي خبأه عن الجميع، ولكني عزمت أمري هذا اليوم، انطلقت عبر شوارع الحي حتى وصلت إلى البيت، حسب ما وصفه لي فارس ذلك اليوم، نزلت من سيارتي وخفقان قلبي يمد في جوفي الخوف، لا أعرف سببه، ولكني بدأت أتخيل أشياء غريبة، أغمض عيني بقوة كي أهرب من تلك الوساوس، خفت أن تكون رؤيا فارس التي رآها سابقا، يبدو أن الخوف يقويك جدا أو يهدمك عن آخرك، وهذا ما شعرت به، فلم أستطع أن أطرق الباب كما كنت أطرقه سابقا، أهز رأسي بقوة وأطرد الصورة التي أراها، أطرد الأصوات، أطرد الروائح المختلطة، حتى فتح والد فارس الباب، بذات الهيئة التي تصورتها وحاولت طردها من فكري، ومن خلفه رأيت فارس، واضعا كفه على فمه، وعيناه تأكلان المحيط من فرط الدهشة

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :