تقرير : سالم أبوظهير
عدد كبير من الليبيين ممن تم أغتصاب أملاكهم، بقوة قوانين مستبدة غاشمة
الهدف من هذا الإستطلاع توعوي إعلامي فقط
ما يقارب من 75 ألف عقار قامت الدولة الليبية بأغتصابه من أصحابه
سبتمبر الأمس وليبيا الغد وفبراير، لم ينصفوا كثير من أصحاب الأملاك المغصوبة
مواطن ليبي : يبدو أن مقولة البيت لساكنه لاتزال سارية المفعول
متضررون لرئيس الحكومة : أنصفنا فنحن نعاني الظلم والإجحاف منذ خمسين عام..!!
اراضي مغتصبة بنوا عليها مساجد ، وبعضها تحول لملاعب ومعسكرات..!!
يحكى أن
“ … يحكى والعهدة على الراوي، أنه يوم دفن الأبناء لوالدهم ،وبعد أن واروه التراب ، نادى الأبن الأكبر بصوت مبحوح حزين : يا أخواني نحن أبناء المرحوم نطلب الدعاء لوالدنا بالرحمة والسماح ، وأي شخص عنده حق عند والدنا ، نحن نتكفل به. “
سرت همهمة بين الحاضرين بالدعاء والرحمة للميت، وفجاءة برزمن بين الحاضرين رجل مسن وقال :” ياناس أنا عندي حق عند هذا المتوفى ، : هذا الميت ، اغتصب مني بيتي ، بحكم القانون رقم أربعة، ويسكن فيه منذ سنوات طويلة وحتى الآن ، ولم يتم تعويضي لا منه ولا من الدولة التي ألغت القانون، وأنا لم أسامحه وهو حي ، ولن أسامحه وهو ميت ، حتى أنال حقي …!!!” .
قال الراوي : أن الأولاد لم يردوا على صاحب الحق ، وتركوه وغادروا المقبرة على عجل، كما غادر والدهم تاركاً لهم الحق معلقا في رقابهم ، وغادر بعدهم صاحب الحق المقبرة منتظراً أن يعوضه الله في الدنيا أو في الأخرة ..!!
هذه الحكاية وأن كانت من خيال الراوي ، لكنها حقيقة مرة ، ذاق مرارتها ولايزال ، عدد كبير من الليبيين ممن تم أغتصاب أملاكهم، بقوة قوانين مستبدة غاشمة ، أصدرها حاكم واحد ، ويبدو أنها لازالت سارية المفعول رغم إلغائها ، فكثير من الأملاك المغتصبة ، مازال أصحابها يطالبون بحقهم في الانتفاع منها ،أو تعويضهم بشكل عادل ، وكثير من الملفات لازالت فوق طاولة القضاة .
تنويه من صحيفة فسانيا ..
تنوه صحيفة فسانيا ، أنها تعي أهمية قضايا الحقوق المغتصبة وحساسيتها ، لذا قررت عدم عرض أي ملف لا يزال على طاولة القاضي ولم يبث فيه بعد . وأن الهدف من هذا الإستطلاع توعوي إعلامي فقط . وتأمل فسانيا ممن واجبهم خدمة المواطن الواقع عليه الظلم ، الإسراع برد المظالم إلى أهلها فالظلم ظلمات اليوم ويوم القيامة .من جانب أخر نؤكد عبر هذا الاستطلاع أنه من الصعب جداً تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين الليبيين ، وتحقيق العدالة الانتقالية على أسس سليمة وصحيحة دون التخلص من تركة الأحقاد والمظالم ، ودون المبادرة والإسراع للبث في ملف الحقوق المغتصبة وتسويتها بشكل عادل ونهائي، ومعالجة كافة الانتهاكات التي حصلت في حق كل مظلوم .وفض المنازعات التي أغلبها سببه قوانين ظالمة، صدرت عهد حكم القذافي وحدت بشكل كبير من الملكية الخاصة للعقارات..
فتباً لكل مسؤول في الدولة يمكنه مساعدتهم ولا يخدمهم ، لإنه مشغول عنهم بإهدار المال العام وسرقته ، فيما أصوات هؤلاء تعلو مطالبين بحقوقهم بشكل حضاري من فوق كراسيهم الطبية المتحركة ، ومن فوق أسرتهم الثابتة. طرقوا أبواب وزارة الصحة وديوان رئاسة الوزراء، ولكن وحتى الآن لم يجدوا آذن صاغية . وكي لاننسى لابد من التذكير أن اليوم أو غداً سيحاسب كل مسؤول كان يمكنه أن يقدم لهم حقهم كاملاً غير منقوص ، لكنه تقاعس وتجاهلهم ، وأهتم بمشاريعه وعد ملايينه ، فالحساب اليوم يسير ،ويوم لاينفع مال ولابنون عسير .
قوانين ظالمة وأرقام سوداء
اغتصبت الدولة الليبية من بعض مواطنيها أملاكهم المقدسة ، وحقوقهم المشروعة ، في فترة حكم القذافي ونظريته فالبيت يمكن اغتصابه من أهله بموجب (البيت لساكنه) والسيارة أيضا يمكن الاستيلاء عليها بموجب (السيارة لمن يقودها) ، ويتم الاستيلاء على قطعة الأرض بموجب ( الأرض ليست ملكاً لاحد) ، ويتم الزحف على المعمل والمصنع بموجب (شركاء لا أجراء) … وكل هذا بحماية حزمة فاسدة من القوانين سيئة السمعة، التي أصدرتها الدولة و شرعنت بها هذه الأفعال المشينة.
ومن المهم الأشارة ، الى أن ماكان يصدر من رأس النظام معمر القذافي ، هو السبب الرئيسي لتغول الفساد والظلم وأستشرائه ففي إحدى تصريحاته معمر القذافي الموثقة في السجل القومي قوله ذات مرة : ” الحرية هي أن يكون السقف الذي فوقك هو ملك لك ، والأرض التي تحدت أقدامك هي ملك لك ، لهذا فإن من مهام اللجان الثورية من الآن فصاعداً هو العمل على تحقيق مقولة البيت لساكنه بأسرع مايمكن ، ويجب العمل فوراً بتفعيل القانون رقم 4 الخاص بتطبيق مقولة البيت لساكنه”
ومثل هذه التصريحات ، كانت السبب الرئيسي لصدور عدد من القوانين التي قصمت ظهر المواطن وأستولت على حقه وأهم هذه القوانين الظالمة :
- القانون رقم 4 لسنة 1978م، المعروف بقانون البيت لساكنه
- القانون رقم 88 لسنة 1975م بخصوص الأراضي المملوكة للدولة
- القانون رقم 116 لسنة 1972م بشأن التنظيم والتطوير العمراني
- القانون رقم 123 لسنة 1970م . بخصوص الأراضي الزراعية
ورغم اختفاء منظومة العد والإحصاء في ليبيا منذ عقود ، فإن القانون رقم 4) ، تم تطبيقه على ما يقارب من 75 ألف عقار قامت الدولة الليبية بأغتصابه من أصحابه. ولابد من التنويه أن المحرر لايتحمل صحة وموثوقية هذا الرقم من عدمها، رغم أنه موثق في سجلات مصلحة أملاك الدولة،وموثق أيضا لدى بعض منظمات المجتمع المدني في ليبيا ، والتي تهتم بمساعدة المواطنين في الحصول على حقوقهم.
وحتى عندما اعترف القذافي وابنه سيف السلام لاحقا بالخطأ الذي ارتكب ، وتم إصدار قوانين وقرارات من ذات الدولة وفي عهدها ، تأمر بالتعويض أو الأسترداد أو جبر الضرر، وما لحقتها من قوانين أخرى في عهد فبراير تلغي قوانين سبتمبر و تهدف لجبر الضرر لكن لا سبتمبر الأمس ولا ليبيا الغد ولا فبراير اليوم، انصفوا كثير من أصحاب الأملاك المغصوبة ، وكانت قوانين الأصلاح أو رد المظالم أو جبر الضرر أوالتعويض ، نقطة في بحر الفساد والظلم الذي استشرى وصعب معالجته بقوانين بقت معظمها حبر على ورق ، أو لم تنفذ كما يجب .
خطاب من المتضررين لرئيس الحكومة
تواصلت مع مسؤول بمؤسسة حقي، وهي مؤسسة تعني وتهتم بمساعدة المواطنين المتضررين من قوانين نزع واغتصاب الأملاك المقدسة، فأرسل لي عبر البريد الإلكتروني، نسخة من خطاب تم إرساله بأسم مؤسسة حقي إلى رئيس الحكومة الوطنية ، وينتظرون الرد من الحكومة .
قال المتضررون للرئيس في الخطاب ” أن الحكومة اتخذت إجراءات لصالح فئة معينة لا يتجاوز عددها 260 مواطن تقريبا ، و أصدرت لهم القرارات برفع الحراسة، و أرجعت لهم ما جمد من أموال وعقارات وأملاك بقانون الحراسة رقم (36 )لسنة 2012م الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي ، بسرعة وسابقة لم نرى مثيلا لها ، تحت شعار المصالحة الوطنية ، في حين أهملت قضيتنا العادلة التي طال الظلم فيها على مدار نصف قرن قرابة 480000 مواطن تقريباً من المالك الأصليين و الورثة من بعدهم أولاد و أحفاد ممن طالهم ظلم قوانين غصب الملكية المقدسة بأنواعها منذ سنة 1970م إلى يومنا هذا .
الخطاب طويل ، وقد ختمه مرسلوه بقولهم ” نأمل أن يكون قد وصل إلى سمعكم عبر هذا النداء صوت نصف مليون مواطن ليبي متضرر من المالك الأصليين و ورثتهم من اليتامى والأرامل و القصر عانوا الأمرين على مدى خمسين سنة من الظلم و الجور والإجحاف ، و ندعو الله أن يعينكم في اتخاذ الإجراءات المنصفة والسريعة إلعادة حقوق هؤلاء المظلومين” .
قطعة ارض مغتصبة تحولت لملعب كرة ،وأخرى لمعسكر ، وثالثة بنوا عليها مسجد
مواطن من مدينة غريان ، حكى لي قصته بإختصار فقال : الدولة اغتصبت من جدي عدد من العقارات والاراضي ولم تعوضنا، وأضاف :أن بعض من هذه الاراضي تحول ملعب كرة قدم ، وبعضها ثم بناء مسجد فيها . وأرض أخرى مقام عليها معسكر.
وأضاف المواطن : ” أنا أحد ورثة جدي رحمه الله ،واستعد لرفع قضية ضد مواطن يشغر مبنى ويرفض ارجاعه لنا، وهو في الأساس ملك مقدس لجدي ، ، وكان موثق بشهادة عقارية ، قام جدي بتأجيره لجمعية أستهلاكية تابعة للدولة ، واستمر لسنوات يتقاضى في الإيجار من هذه الجمعية ، ولكن بعد صدور قانون رقم (4) ، تقدم مواطن بطلب للدولة يرغب في أن يتم تخصيص المبنى له ، وأستناداً للقانون سيئ السمعة ، تم التخصيص، ، توفى جدي أما المواطن فلايزال يملك هذا العقار الذي هو في الواقع أصبح ملكاً للورثة، حاولت مع شاغر المبنى ، لكنه رفض ارجاعه ألينا بحجة أنه مخصص له من الدولة الليبية بحكم القانون …
الدولة لم تعوضنا بل عوضت مغتصب شقتنا
من القصص الطريفة والمؤلمة أيضا ، ماقاله لي مواطن رفض ذكر أسمه ، من أن جده يملك شقة بالدور الأرضي في عمارة وسط مدينة طرابلس ، وهي ملك مقدس له ولشريكه، وأن العمارة التي بها الشقة اغتصبتها الدولة الليبي بحكم القانون رقم 4 لسنة 1978م ، و مؤخرأ انهارت العمارة على ساكنيها ، وحسب تصريحات وزير الاسكان سيتم بناء عمارة جديدة وسيتم تعويض المغتصبين، وتمكينهم من امتلاك شقق جديدة، أما نحن الورثة أصحاب الحق الأصليين ، فغير معترف بنا سواء من القضاء أو من أجهزة الدولة المختصة ، المواطن المتضرر أضاف بحسرة حسب الفريضة الشرعية الصادرة عن محكمة سوق الجمعة فإنني إرث ربع هذه الشقة ، سوف أتجه للقضاء للمطالبة بحقي ، رغم أنه يبدو أن قانون البيت لساكنه لا يزال ساري المفعول ..!!!.
جهود متواضعة للتقليل من حجم الظلم
رغم أن نظام الحكم الجماهيري كان السبب ربما الرئيسي في حدوث فوضى اغتصاب الأملاك من اصحابها ، لكن هذا النظام استدرك الخطأ متاخراً جداً ، ولم تجدي محاولاته نفعاً بالحد المطلوب ، وحتى بعد سقوط النظام عجزت (بشكل ما) فبراير في أن تحل كل المشكلة ، وإحقاق للحق نستعرض هنا بعض ما تمكنا من الحصول عليه ، من جهود حقيقية بذلتها سبتمبر الأمس ومؤسسة ليبيا الغد وثورة فبراير اليوم، وحتى وان كانت هذه الجهود متواضعة، بالنظر لحجم الضرر ، لكنها نجزم أنها كانت تهدف للتقليل من حجم الظلم الواقع على هذه الشريحة من المواطنين.!!!.
جهود سبتمبر وليبيا الغد
أهم هذه الجهود في حقبة نظام سبتمبر ، هو صدور القانون رقم 6 لسنة 1986 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 4 لسنة 1978، وبعدها صدور القانون رقم 11 لسنة 1992 بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية العقارية وتعديلاته، ثم أعتراف رأس النظام لاحقاً (ومتأخراً) أنه أخطأ بأصدار قانون رقم 4 وغيرها من القوانين الظالمة الأخرى ، وبعدها ومتأخراً جداً أيضا أصدر أوامره في 2006 م ، بتشكيل لجنة 2006 لمعالجة آثار القانون 4 سيء السمعة .
من جانب أخر وبإعتبار أن سيف الاسلام القذافي ، كان المنقذ والمخلص ويتم إعداده ليكون الوريث لحكم والده ، تصدى بأهتمام لهذه الموضوع الشائك ، وحرص على أن يتابعه بدقة ، وركز على تفعيل عمل لجنة 2006 م ، وحرص على أن يتم أستكمال منح التعويضات عن العقارات التي أخضعت للقانون رقم 4 ، بل وسع سيف الأسلام من اختصاصات هذه اللجنة لتقوم برد بعض العقارات المغتصبة لأصحابها وأن كان ذلك في حالات محدودة جداً . وبشكل عام فقد عالجت هذه اللجنة الاف الطلبات المقدمة ونظرت فيها.
جهود فبراير
بعد نجاح ثورة 17 فبراير 2011م ، والتي كان من أهم إنجازاتها فتحها الباب على مصراعية ، لحرية التعبير والتفكير والمطالبة بالحقوق ، فنشطت روابط ومؤسسات المجتمع المدني ، المعنية أو المتضررة، وطالبوا بحقوقهم بضغط كبيبر ، وبصوت عالي مسموع . هذه الجهود أتمرث خلال فترة قصيرة نسبيا من (2011-204م) انجاز ثلاث مشاريع قوانين هدفها الرئيسي إلغاء أي قانون ظالم صدر في سبتمبر وكان يسمح بمصادرة الأملاك المشروعة من أصحابها ..
كما صدرت في عهد ثورة فبراير 2011 ، عدد من القوانين لصالح المتضررين ، أهمها القانون رقم 17 لسنة 2012 بشأن إنشاء قواعد المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ثم صدور القانون رقم 29 لسنة 2013 بشأن العدالة الانتقالية، وبعدها صدر القانون رقم 16 لسنة 2015 بإلغاء بعض القوانين، ثم صدر القانون رقم 20 لسنة 2015 بتقرير بعض الأحكام الخاصة بمعالجة الآثار المترتبة على إلغاء القانون رقم 4 لسنة 1978. عام فقد عالجت هذه اللجنة الاف الطلبات المقدمة ونظرت فيها.
وأخيراً ..
كانت هذه فقط محاولة من صحيفة فسانيا ، لاتدعى فيها أنها وضعت يدها على الجرح من خلال هذا الأستظلاع الموجز ، لكنها حاولت فقط لفت الأنتباه لموضوع شائك وحساس ومهم وخطير ، يمس أهم حق من حقوق الأنسان الليبي ، وهو منعه من حق التمتع بما يملك ، وهذا المنع للأسف شرعنته قوانين جائرة ، نحسب أنها لازالت سارية المفعول .
وللأمانة المهنية نؤكد أننا لم نعط الموضوع حقه بسبب حساسيته ، وأن كثير من الحالات التي أستلمناها معروضة أمام القضاء ، وبذلنا جهداً مضاعفا لتناول قضايا أخرى لم يتم عرضها على القضاء بعد ، ورفض أصحابها نشر أسمائهم وصورهم .. نعتقد أن الرسالة وصلت ولو لم تكن كما يجب فالهدف في كلمة مختصرة نوجهها لمغتصبي هذه الأملاك ولمؤسسة الدولة المعنية برد المظالم الى أهلها :
ردوا الأملاك لإصحابها ، أوعوضوهم بما يرضيهم وأجبروا بخواطرهم .. فالظلم ظلمات في الدنيا وفي الأخرة والله المستعان .