لينا الطيبى تهز الحياة

لينا الطيبى تهز الحياة

 قراءة :: انتصار ابو راوي 

 ثمة شيء فى شعر الشاعرة السورية لينا الطيبى يأسر قارئها و يأخذ معه هفيف الروح لعلها الصوفية العالية المرتسمة  فى قصائدها، أوأبجدية تفاصيل روحها المشعة عبر نصوصها الشعرية ، التي تمنح القارىء أحساسا بانه  يجوس بداخل روح شعرية صافية كقطعة الماس مبهرة عبر مجموعة قصائدها المنشورة فى ديوانها الشعرى “أهز الحياة” ، نلملم خيوط القصائد التي  تنسجها الشاعرة من هدير الفقد وتواجه بها التلاشي في زمن تآكل المشاعر  الإنسانية وتشوهها

أهز الحياة هو عنوان الكتاب الذي يحتوى على مجموعة قصائد  قصيرة وطويلة تبداها الشاعرة بقصيدة نعناع الأهل” التي نلمح فيها توق شفاف وشعرية عالية تناجى مذاق صور الآهل والأحبة الذين تستقى الشاعرة فيضهم الدافق من أنين أرواحهم داخلها فالأهل مغروسون فى خلايا جيناتها مهما أبتعدت عنهم:

الأمل فى ضحكة الأهل

أصواتهم تحفر وتحفر

أصواتهم تأخذ بأيدينا وتمر بأيدينا

ينهض الأهل فينا

يتناسلون فى دمعة اعيننا يربتون على ألواح أكتافنا

وكأن الذات الشعرية هنا تستشعر الذنب لفقدان الأهل نتيجة غربة المكان فتجترح اهاتها الممزوجة بالحنين لزمن الطفولة ولنعناع الشاى فى  فنجان الأهل

الأهل فى البعيد يستعيدون ذكرياتنا

يستنطقون الحجر فى غيبة أصواتنا

و تهز الشاعرة الحياة بتأمل الأمكنة التي تركتها خلفها وتحدق فيها من على بعد:

من بعيد وقفتُ
أُحدق بالممرات الكثيرة التي تركتُ
بالأشجار التي تمايلتْ عند خطوتي
بالماء الذي موجته أحجاري الصغيرة
بالسفن التي عبثت بأحلامي
بالشمس تجدل أسمرها
بالقمر يضوي
وبالنجمة تنحدر لتلامس ما كان شباكي
من بعيد نظرتُ
يدي تهزّ الحياة
وقلبي  ينتفض

هنا تبدو روعة قدرة الشاعرة على عدم ترك الحياة  تهزها أنما هي التي تهزها بقدرتها الفائقة على تأملها من بعيد لترى بوضوح أكثر فالأشجار  تتمايل عند خطوتها وأحجارها الصغيرة  حركت المياه الراكدة  وحتى السفن لم تحطم أحلامها وانما عبثت بها فى مرور عابر ، الشاعرة بيدها  تهز الحياة اليد هنا هي  صورة للفعل  الذي هو فعل الكتابة الشعرية التي تواجه بها الموت والفقد .

كل مقطع فى القصيدة يبدأ بعبارة من بعيد لتؤكد الشاعرة على  ان النظر  لكل شىء من على بعد مسافة   يهب الذات  وضوح اكثر ويمنحها قدرة على  التناغم مع الكون أكثر  فى  قصيدتها المعنونة ب”صمت يتمم ركعتي”نجد النفس الصوفي عاليا لدى الشاعرة فى هذه القصيدة التي تناجى الله عند انكسار حلم الحبيب الذي  تلاشى حضوره في حياتها على حائط الغدر

في كل مرة حلمتُ
ردّني الله إلى ركبتي
جلستُ، وصليتُ
وتساقط تعب عن كتفي
كنتُ حلمتُ بالسنونوة
تخطفُ قمحها من راحتي
أتلمسُ جناحيّ
وأتلمسُ الطيران في جناحيها.

الله كان يحبني.

كطائر السنونو الذى يرحل باحثا عن قمح الحياة تهاجر الشاعرة بأنخطاف الروح فى ركعة الحب إلى وجه الله  لتتقمص وحدتها بعد ان غدا  صهيل الأخر يرجف فى العراء لينسج الصمت مسارب حياتها ولكنها بوجد صوفى جميل تعلن بان الله يحبها.

فى قصيدتها المعنونة ب” ناهض الألم”  يتبدى الحزن والوجع الذي يسربل جسد هذه القصيدة التي  تعرى وجع الروح  في  قسوتها على ذاتها قبل قسوتها على الأخر

لم تكن وجوهنا التي تعرتْ
غير وجوهنا التي تعرت
ولم يكن شعاعنا غير الشعاع
لم يكن موتنا غير موتنا
ولم نكن أكثر مما..
جمع الماضي انفراطه في راحاتنا.

ما أجلّ من قسوة علينا هي قسوتنا.

أمل وأنكسار ماكان

الروح هنا تحاول النهوض من جديد  من ألم الأنكسار وأنفراط ماكان وفى صفاء روحى تنشد الشاعرة نشيد الحياة  عبر كشفها العرفانى الجوانى  للوجوه التى انكشفت وغدت مجرد ماضى انفرط بقسوة فى راحة اليد

فى قصيدتها الطويلة” مقتطفات لسيرة طويلة من تاريخ الروح” تأبجد الشاعرة كل مضامين الفقد ، ،و تتهجى الحياة بدون الأخر الذى انفرط و سقط من الماضى والحاضر والمستقبل ، بينلوب الشعر هنا لاتنتظر رجوع أوديسها  وأنما هى تنسج عبر حبكة شعرها نشيد الفقد العظيم لرفيق الروح الذى سقط فى عتمة الطريق بينلوب الشاعرة  هنا تحيك كفن الفراق ولا تنتظر أوذيسها الذى قصم روحها بفعل الخيانة

أرسم ذكرياتي على جدار كبير
لأمحو كل ما مضى
لأستقبل الآتي بنشوة الحلم
وبالماء والماء والماء.
أزيّن فوضى الرفوف
وأهبط
لأكتب من جديد:
هذا التاريخ أنتَ
صنعته وصنعتني
وحفرت به الألم
وأنهضته بالسطوع وواريتني.

حزن العاشقة التى تصرخ فى وجه عاشقها الذى قتلها بالتخلى وكأنها صوت جثة القتيلة وهى تصرخ فى وجه قاتلها ـ  فهى لاترسم الذكريات لكى تحتفظ بها بل  لكى تمحوها وتنزعها من ذاكرتها  لتستقبل الأتى بالحلم

لعل قصيدة نزوة تبدو وكانها مكملة لقصيدة”  ناهض الألم  ” التى تعبق بنفس الروح الشعرية المصلوبة فوق عمدان  الغدر والروح المكلومة المتفجعة على أفتراق روحين بفعل  نزوة عابرة:

ولأجل نزوة
أمضى قتلاً من عبورها
ذهبتَ بالماضي الى مقبرة الموتى
وأقفلتَ المستقبل بمفتاح الخيانة

ففعل الخيانة يقصم الروح العاشقة والمحبة ، فكيف حين تكون روح شاعرة  وزوجة هى أليفة الأنسجام الفكرى والروحى  للأخر الذى أهداها الأذى، الشاعرة فى هذه القصيدة تعلو و تعلو بتراجيديا فعل الخيانة الذي قد يرتكبها الأخر ولو فى نزوة عابرة غير مدرك بأنه يقصم روح قريبة جدا منه :

ولأجل نزوة
تركتَ قلبي يخون ذكرياته
ويكّذب ضحكاته
ويصفع رقته
بخنجر من موت

تتبدى القسوة المفرطة فى فعل الأخر الذى يحول كل ماكان الى كذبة كبيرة  ويهوى بصفعته على الرقة والحنان والمحبة  بخنجر الغدر

لأجل نزوةٍ صغيرةٍ
عابرة، ربما
تركتَ يدي إلى مقتل
وروحي في مهب شقاء
وقلبي إلى فحمةٍ سوداءَ
تشعله
وتطفئ بدخانها
ما تصاعد من نداء.

لأجل نزوة صغيرةٍ
أقفلتَ الستائر
وأزحتَ الشمس
وأهلتَ التراب على الذكريات والصور

ولأجل نزوة عابرة
جمعتَ الخواتم
وسوَّرتَ حفيف البكاء بصرخة مكتومة

تذهلنا الشاعرة فى هذه المقاطع  بمدى العشق الذى  أمتلك روحها   فتنشج  بصوت فجائعى مكروب مصير كل جنون الحب فى قلبها  الذى يكاد يكون غير قابل للتصديق وأقرب للخيال  وتستدعى صور ماكان وماانتهى بفعل نزوة عابرة  و الجميل والمؤثر أنه لاوجود للكراهية او الحقد فى قصائدها رغم فعل الخيانة من الأخر ثمة ألم  عاصف وقوى  زلزل اركان العاشقة المتولهة بمن احبته ومناجاة مكلومة  محفوفة ببكاء لايهدأ دون قدرة على أطلاق صرختها المكتومة على فعل القتل لروحها العاشقة والمتولهة بالحبيب ،ثمة روح صافية  حلقت فوق مشاعر البغض والكراهية ونسجت مشاعر متاملة فى فعل خيانة رفيق الروح  الشاعرة “لينا الطيبى ”  فى ديوانها “أهز الحياة”  بدت فى قصائدها   روح شاعرة صادقة متأملة شفافة  ترصد وجوه الأهل والأحبة والأمكنة وتبكى موت الحب بغنائية عالية وعاطفة كاسحة تهدر فى روح قارئها بشجن عميق محمل بوجد صوفى يتماهى فى حالة العشق بالأخر لدرجة  كادت ان تصل لحد الفناء فيه عبر مجموعة  قصائدها هزت شجرة الحياة بفعل التأمل بهدوء وعمق فيها فتساقطت  في يدها كل ثمارها المبهجة والمؤلمة

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :