تَنّوَه ” ترسب التجارب والمعرفة “

تَنّوَه ” ترسب التجارب والمعرفة “

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com

كوكو COCO

من يحب قصص نجاح بعض الأشخاص؟بصراحة،  أنا لا أحبها، لاأعني لا أحب هؤلاء ذكورا كانوا أو إناثا ،بل لا أحب ظاهرة  الأشخاص أو الشخصيات الناجحة ،وتنميط فكرة النجاح في ذاتها ، وكيفية توظيفه أو توظيف الشخصية للترويج لكذبة سهولة الوصول للغايات، ماأعتقد أنه يترك في المتابعين لهذه الشخصيات وأخبارها شعور مدمر يمكن تسميته بالإنفصال عن الواقع، وربما تصبح موضوعة النجاح دلالة على فشل الآخرين ، وفيما يخص القصص الملهمة،  لربما لها أبعاد أخرى لا علاقة لها بالإلهام بل بالدعاية لشيء ما، نظام ما، أو شركة، أو فكرة ما، أو إنها تُشيع مفهوم الحلم الأمريكي، ولا أقول هنا أن كل شيء مزيف بل أقول أن الشخصيات الناجحة ليست بالضرورة ملهمة، ولكن الملهمة بالضرورة ناجحة بمفهوم النجاح العميق وليس القشرة في صورة أموال ،وأضواء، وشهرة، بل من تتغير بعده الحياة، حتى لو كانت حياة شخص واحد، تحركت/ تحرك بفضلها أو بفضل أفكارها إلى الأمام! هل وضحّتُ قصدي؟

من زاوية أخرى نُمطَّ مفهوم الرائدات، كمجموعة نسوة عجائز ،كن في يوم ما مدايرات فرزة، بمعنى اشتغلن في مجالات ليس من الشائع أن تعمل فيها النساء، ولماذا أقول نُمطّت فكرة الريادة! لأن ما أحدثن من تأثير يكاد اليوم يكون أمرا طبيعيا مثل الماء والطعام، فأثر هذا التغيير أخذ وقته وانتهى، ولكن ماله أثر حتى هذا اليوم ونحن في الألفية الثالثة، هو كل ما لازال السلفيون والذكوريون بصفة أعم ذكورا و إناثا، ينفخون الكثير من الغبار ويجهروا على المفاهيم التي ردمها الوقت، من ضمنها السروال ولبس لبنات، وكل مايلمس حياة النساوين وحريتهن الشخصية! ماذا قلتِ حرية شخصية؟ هذه أيضا من المفاهيم التي عاملها التفكير السلطوي على أنها كلمات عارية، يجب أن تحجب، كما تمثال الغزالة ، والتي مزقوا عنها تاريخها ثم قالوا إنها امرأة عارية، فبُقرت بطنها ثم اختفت في يوم وليلة، وصار الحديث عنها يشبه إلى حد بعيد، من يجبد سيرة  التنوير، الأحزاب، الدستور، المجتمع المدني ،النسوية والهولوكست. 

م أهتم بشانيل كماركة، بشكل خاص قبل أن أتعرف على صاحبتها، وحتى لا يحدث إلتباس في الفهم بالتأكيد أن عدم إهتمامي له علاقة بثمن منتجاتها الفاخرة، الشيء الذي لايسمح لي بالاقتراب منها ولا بأي شكل من الأشكال، غير أن كوكو غدت بالنسبة لي أيقونة أخرى لها أهمية خاصة أشاهدها وأعيشها كامرأة مازال مجتمعها له رأي في لبسها للسروال، بعضهم يسميه لباس فاضح ، هل يمكن تصور ذلك؟ وهذا ليس من المبالغة في شيء ، ففي مظاهرة شاركت فيها مع بضعة رفيقات ورفاق مهتمين بالحريات في 2013 وضُعت صورتي شخصيا مع تعليق يتهم الجينز الذي ألبسه بأنه لباس فاضح، ستظنون إنه ضيق ، في الواقع أبدا ، كان جينزا عاديا، أرتديه مع كبوط إلى الركبة، ولكن الشعارات التي نرفعها هى التي كانت من خارج قاموسهم السلطوي، وفي حادثة سابقة كنت فيها أنظف سيارتي ظهيرة الجمعة أمام بيتنا، وسمعت من الجامع القريب كل ماقاله عن بنطلونات البنات،وكيف حرض في خطبته البعيدة المأمومين،  وكان المصلون مروا عليّا تاليا، زرافات، زرافات بعد خروجهم، فيما كنت في جينزي الحرام،  أواصل تنظيف سيارتي، متخيلة ما يجري في رؤوس القوم ، المهم هذه الأفكار المجترة تنهض بجلبة أحيانا حتى لو على خلفية ترديد الببغاوات أو النرجسية والمرتبطة دائما بالحساسية الشديدة من كل، ولكل مايخص النساء، حتى لو كن نساء اللاتي اقتنعن بأنهن عوارات، ما أعنيه أن كوكو أو غابرييل بونور شانيل، ليست خطوط الأزياء وليست الأحذية والتننانير والقفطان الأسود السواريه، وليست القبعات وعطر رقم 5 الشهير والذي أحبه شخصيا، بل هى كوكو التي سارت مع صديقتها في الحرب العالمية التانية، في شوارع باريس ترتجفان من الخوف ، هل الخوف مما قد يصيبهما من رصاصات أو شظايا أو أي ماقد تقضي عليه الحروب؟ لا لا لا لا، بل من ردة فعل الرجال والمجتمع اللاهي في الحرب التي أشعلها الرجال أيضا، وما يمكن لردود أفعالهم على ارتدائهما بنطلونات كانت شانيل استغلت القماش الفائض بسبب عدم الطلب عليه لقلة الإستخدامات العسكرية له، وهو قماش الجيرسيه (Jersey) واستخدمت سترات الرجال والبناطيل بعد تعديلها، كموضة للنساء، 

جيل كامل من الفتيات الليبيات يعتقدن أن قصة السروال ، والمعركة الدائرة حوله حتى لو صار أمرا واقعا ، إنما شيء من الماضي وأنني سأقدم كوكو لهن على أنها رائدة، امرأة فنت ومافعلته شيئا لم يعد فِرزة، غير أنهن لا يعرفن أن هناك مجموعة من المجتمع تعيش في الماضي، أعني المكتسب من السهل حرمانكن منه حتى لو في صورة لبسة مريحة مناسبة للعصر ، للأعمال ، للتنقل، وللحركة،والأهم من اختياركن،  ياعزيزاتي إنكن تعشن نفس زمن الفرنسية كوكو، فتاة تخلى عنها والدها وأختها وتربيتا في دار للأيتام، فتاة تشبهكن في المثابرة والاجتهاد والشعور بذاتها، ففي ذاك الزمن ، أعني زمنها كان مجتمع النساء الفرنسيات ، لايبتعد عن مجتمعنا هذا اليوم ، وهذه اللحظة ، ولنرى معا ماذا فعلت كوكو التي أغلبنا لا يطرق بالها حتى مجرد التفكير ،شراء قطعة من تصميم ماركتها، ولنكتشف ماهى القيود التقليدية التي حررت النساء منها، بمن فيها عقلي وعقلكِ وعقلُكَ ، القيود التي تم تحطيمها

بفضل تصاميمها ورؤيتها المبتكرة، واحترامها لذاتها:

قيود الملابس التقليدية ومستتبعاتها والتي كانت صارمة على ملابس النساء، والشائع ارتدائهن الفساتين الطويلة، اللي تكركر، بألوان حيادية من الأسود حتى الرمادي، فابتكرت شانيل الفساتين الضيقة والتنانير وأطلقت تصاميم الفساتين القصيرة والأزياء الأكثر راحة وحرية في الحركة وفي الألوان.

قيود إجتماعية: الأنوثة المحددة، كان يُفهم( وهذا مازال شائعا هنا،والآن)  أن الأنوثة تعني الرقة والانضباط والانغماس في دور المرأة كزوجة وأم. وكانت توقعات مجتمعها قوية للمرأة بالتصرف وفقًا لهذه الصورة المحددة، كما يُفترض أن تكون المسؤولة عن إدارة المنزل ورعاية الأطفال، والتوقعات كانت ومازالت عالية بفرضية تفرغها لهذه المهام وأن تخدم العائلة،وكونها امرأة قوية ومستقلة، قدمت كوكو نموذجًا للنساء  بإمكانية أن تكون ناجحة في عالم الأعمال والفن وأن تتولى دورًا أكبر في المجتمع.

قيود الموضة التقليدية، وقيود المشاركة العامة: حتى يومنا هذا مابالك في وقتها القيود على مشاركة المرأة في المجالات العامة مثل الأعمال التجارية والسياسة. قوية وراسخة، فيما مس شانيل غيرت المفاهيم التقليدية للأزياء وأعطت النساء حرية التعبير عن أنفسهن من خلال الموضة،بأن أطلقت تصاميم جديدة وجريئة مثل السترات المستوحاة من ملابس الرجال والبنطلونات والملابس العملية، مما هيأ افقا لكل مانلبسه كنساء وفتيات، بأن رفعت دون كلمات سقف الحريات.

كوكو شانيل والحرب مكنتا النساء من أجسادهن، فقبل كوكو كن مانيكان، وحبل غسيل وقبل الحرب التي أكلت الرجال، كانت النسوة أوعية ليس إلا. لذا تذكرن أيتها العزيزات كوكو كلما دخلتن في البناطيل، فعالمكن  بعدها ليس كقبله،حتى وإن حضى بعضكن بسترتها التويد المقلمة، وحقائبها البديعة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :