ما لم يسرقوه .. يحرقوه

ما لم يسرقوه .. يحرقوه

  • المهدي يوسف كاجيجي

حقيقة لم أكن أتوقع ان أجد كل شيء على ما هو عليه او كما تركته، ولكنني ايضا لم أكن أتوقع ان اشاهد ما شاهدت، ولا ان أرى ما رأيت. لم اكن أتوقع ان يصل الإجرام والعبث بأرزاق الناس وشقاء عمرهم هذا الحد !!!!. ما وجدته اليوم كان مروعا بكل معنى الكلمة. فبالإضافة الى التدمير المتعمد الذي لم تسلم منه ولا الأبواب، لم يبقوا على شيء، لا صغير ولا كبير، لا غالي الثمن، ولا حتى زهيده، من الأثاث والموجودات والمعدات داخل البيت. لا غرف نوم ولا معيشة ولا جلسات ولا صالونات ولا ثلاجات ماء ولا ستائر، ولا ولا، حتى اواني ومعدات المطابخ لم يتركوها. صدقوني هذا ليس كل شي، فقد عجزت عن حصر الأضرار والمسروقات. قدر الله وما شاء فعل. وحسبي الله ونعم الوكيل.

هذه فقرة، مما كتبه الاستاذ عبد السلام عاشور، على صفحته بعد عودته لبيته ومزرعته بمنطقة عين زارة، بعد غياب ستة شهور، عاشها نازحا. وانا اجزم ان ما كتبه يمثل لسان حال الآلاف من الأسر، أولئك الذين مروا بتجربة النزوح في كل انحاء ليبيا.

البيوت والاوطان
راحت السكرة وجاءت الفكرة. خرج النازحون في عجل هربا من الموت، وعندما عادوا صدموا بما حدث. دمرت بيوتهم بفعل جرائم الحرب، وسرقت مدخراتهم ومقتنياتهم بفعل جرائم السرقة، وما لم يدمر او يسرق تم اتلافه بفعل الحقد والشماتة وهي حالة مرضية. وإلا بماذا تفسروا التخريب، مثل نزع اسلاك الكهرباء وسيراميك الحوائط وأرضيات الحمامات؟ اشياء لا قيمة لها بعد نزعها من اماكنها. ما شعر به الاستاذ عبد السلام لا يمكن أن يدركه أحد سوي من مر بنفس التجربة كقول الشاعر: لا يسهر الليل إلا من به الم * لا تحرقُ النار إلا رجل واطيها. لان الامر ليس بخسارة مادية بل هي شيء ابعد من ذلك لأن العلاقة بالبيوت هي نوع من الوجد والعشق كالعلاقة بالأوطان كل شبر فيه له خصوصيته، كل مسمار تم دقه له ذكرياته التي نتوارثها ونورثها، وعندما تدركنا الشيخوخة نلجأ اليها لتذكرنا بأيامنا التي كانت. حقا إنها مأساة أن ينتهي كل ذلك الشيء الجميل بفاجعة تتبعها شهقة فدمعة فتضرع ملهوف بلسان مكلوم يردد: حسبنا الله ونعم الوكيل.

وصف الاستاذ عبد السلام المشهد في بيته بعد غيبته بكلمة (المروع) أي مُفْزعُ. مُرْعِبُ. مٌخِيفُ، كما جاء بالقاموس العربي. بماذا سيصف الليبيون المشهد؟ عندما يعودوا إلى وطنهم المخطوف، بعد الخروج من شكارة الفئران التي حجزوا بداخلها سنوات طويلة، وطاب لهم فيها المقام، ففقدوا فيها بوصلة الاتجاهات. ماذا يحدث عندما تمنح لهم الفرصة لالتقاط الانفاس ويتاح لهم التأمل والتعرف على حقيقة ما جري علي ارضهم من دمار اجتماعي واقتصادي وأخلاقي؟ ماهي الكلمة التي سيصفون بها المشهد؟ انا اجزم انها ستكون كلمة جديدة. اليس من ليبيا يأتي الجديد؟!! كما قال هيرودوت.

* الصورة: ما لم يسرقوه اتلفوه وحرقوه. اليمين صفحة Mona Akeer،اليسار Hazem Alhuni.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :