مذكرات امرأة عمياء

مذكرات امرأة عمياء

  • صافيناز المحجوب

الشاعر الملقب (حيْص بيْص) هو القائل (كل إناء بما فيه ينضح ) ولقب بهذا اللقب لأنه أول من قال مالي أرى الناس في حيْص بيْص أي في هرج ومرج وهو الشاعر سعد بن الصيفي التميمي وأبياته الشهيرة التي يستخدم فيها العبارة هي : ملكنا فكان العفو منا سجية فما ملكتم سال بالدم أبطح وحلُلتم قتل الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نعف ونصفح وكل إناء بالذي فيه ينضح في إحدى محاضراتي بالجامعة كنت أدرب طلابي على كتابة المقال وكنت قد نبهتم إلى ضرورة الأمانة العلمية في نقل الاقتباسات فقامت إحدى الطالبات بنسخ جزء من مقال وتسليمه على أنها كاتبتُه فأرجعت لها الورقة مع تنبيهي فما كان منها إلا أن لوَتْ شفتيها وكشّرت عن أنيابها غضبا ولم تعجبها ملاحظتي وتمتمت فنظرت إليها نظرة يفهما طلابي فما كان منها إلا أن آثرت الصمت خوفا فخطر ببالي قول حيْص بيْص (كل إناء بما فيه ينضح ) فكأس الماء لن يفيض إلا ماءً وكأس اللبن لن يفيض إلا لبنا وكذلك الإنسان ومشاعره الداخلية فمن امتلأ حسدا وحقدا فلن ينضح إلا الحسد والحقد وظللت أذكر قول الشاعر حتى خرجت لباحة الحرم وأخذت أتخيل كل من يمر عليه أنه كأس وأحاول معرفة ما بداخله ضحكت يومها على نفسي ولكن عذرتها فكم رأت من كؤوس تقطر سما زعافا وكم رأت من دواخل مريضة لا تعرف احتراما ولا تمت للتربية السليمة بأي رابط إن فعلا ما يزعجني هو أن يرتقي الشخص في العلم ويتدنى في أخلاقة ومعاملاته مع البقية أو يقوم من هو حامل للدرجات العلمية بفعل شائن يشين صاحبه ويسير مبتسما كأن لم يفعل عارا , ثقافة الاعتذار أصبحت يُرى أنها للضعفاء والمكسورين حتى أني أصبحت خبيرة بالكؤوس البشرية وصدق علي – رضي الله عنه- حين قال : من لم يكن عنصره طيبا لم يخرج الطيب من فيه كل امرئ يشبهه فعله وينضح الكوز بما فيه اعتذرْ لموعد أخلفته، اعتذرْ عن كلمة آلمت شخصا، اعتذرْ عن خطأ مقصود أو غير مقصود الاعتذار شجاعة، الاعتذار خلق لا ينضح إلا من نفس كريمة متواضعة لا ترى في نفسها تكبرا ولا تعيش غرورا ولا تأخذ من الشيطان صفة الغرور، المجتمعات المتقدمة تزرع في أطفالها ثقافة الاعتذار منذ الصغر، الاعتذار ليس كلمة للخروج من ورطة أو تبرير خطأ، الاعتذار هو قناعتك حقا أنك أخطأت ووجب عليك الاعتذار , أن تعتذر لا ينقص من حقك إن كنت رئيس دولة أو وزيرا أو حتى أستاذا جامعيا نخطئ مع الله عز وجل فنستغفر ونتوب وهو أسمى مراتب الاعتذار وللأسف ما رأيته في الأيام القليلة أن بعض الناس لا يفكر في الاعتذار لمن هم دونه لكنه لا يتردد في بذله رخيصا لمن هم فوقه خشية ردة الفعل وآخر قولي إن الاعتذار لغة النفوس الراقية التي تحترم ذاتها وكل إناء بما فيه يرشح .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :