د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري
مع بزوغ شمس العالم الإلكتروني ودخوله في كل ميادين الحياة بخطى ثابتة أصبح الحديث لا يتوقف عن الكتاب الإلكتروني ومدى صلاحيته ليكون خليفة للكتاب الورقي العتيد وهل هو أهل للاضطلاع بهذه المهمة؟! .
وانقسم العالم خاصة العربي بين ثلاثة أقسام : قسم مؤيد للكتاب الورقي منتصرا لبقائه أبد الدهر ومعتبرا الكتاب الإلكتروني فقاعة هوائية مؤقتة لا تلبث أن تزول وقسم ثان يرى أن الكتاب الإلكتروني هو الانجع والموائم والمعبر عن صيحة العصر الحديث ومتطلباته أما القسم الثالث فيرى أنه لا بأس من بقاء الكتاب الورقي والإلكتروني جنبا إلى جنب . أما القسم الأول المؤيد للكتاب الورقي فتتنوع شرائحه بين أصحاب دور النشر الورقية والذين يمثل لهم الكتاب الورقي مصدر أرزاقهم ولا يمانعون من بيعه إلكترونيا كوسيلة ميسرة للتوزيع ليس إلا ومن هذا القسم أيضا الشريحة المتقدمة في العمر والتي عاشت جم حياتها لا تعرف للثقافة مصدرا سوى الكتاب الورقي تحتفظ به في مكتبتها المنزلية وتقرأ منه من وقت لآخر مستمتعة بسطوره وملامسة أوراقه وللكتاب الورقي سحر لا شك فيه . والقسم الثاني المؤيد للكتاب الالكتروني فتنبع وجهة نظره من أن التقدم قادم لا محالة وأن نكون في ركابه متقدمين الصفوف خير من أن نلحق به متأخرين أو أن يمضي الركب من سوانا والصحف الورقية وتحول غالبيتها إلى إلكتروني في فترة وجيزة درس عملي للجميع . أما القسم الثالث الحيادي فهو في غالبيته جمهور القراء خاصة الشباب والذين أصبحت جم ثقافتهم إلكترونية فالهاتف المحمول والكمبيوتر اللوحي أصبح لا يخلو منه بيت مصري والشباب الحالي ليس لديه نوستالجيا الكتاب الورقي ولمسات أوراقه وشغف سطوره لذا فالأمر سيان لديه ومع ارتفاع أسعار الكتب وكذلك زيادة كلفة شحنها إلى المدن والأقاليم فهم مع الحالة الأخيرة إلى الإلكتروني أقرب وصلا. والحقيقة أننا لو قارنا مزايا الكتاب الإلكتروني منطقيا وعمليا ونظريا وتطبيقيا لوجدنا أن الكفة تميل في اتجاه الكتاب الإلكتروني فالكتاب الإلكتروني أقل تكلفة في إعداده وتنسيقه ونشره وهناك مواقع إلكترونية مجانية كثيرة تقدم الخدمات الخاصة به بشكل مجاني إضافة إلى وجود مواقع ومكتبات إلكترونية حول العالم تعمل في مجال النشر الذاتي للكتب الإلكترونية بشكل مجاني وتضمن وصوله للملايين حول العالم بما يضمن انتشاره بشكل كبير وفعال علاوة على أنها تمنح الحق للكاتب في تحديد سعر كتابه دون تدخل من أحد مقابل نسبة من مبيعاته وتتنازل عن هذه النسبة إن اختار نشره للجمهور مجانا
. إذا ما قورن ذلك بالكتاب الورقي فعدد ضئيل من دور النشر هي التي تدعم الكاتب وتوفر له فرص النشر المجاني حاليا وعادة ما تكون هذه الفرص قاصرة بدور النشر الكبيرة على مشاهير الكتاب لضمان العائد وما سوى ذلك فالكاتب هو المتحمل لتكلفة نشر كتابه وهي تكلفة ليست بالهينة ويتحكم فيها أسعار الورق والخامات وأغلبها مستورد من الخارج وإذا أضفنا لذلك ضعف الأقبال على شراء الكتب بشكل عام لارتفاع سعرها وعدم مغامرة القراء لشراء كتب المؤلفين المبتدئين أو متوسطي الشهرة مما يجعل الكتاب الورقي وصناعته ليست بالخيار الأفضل حظا للقراء والكتاب على السواء خاصة المبتدئين ومتوسطي الشهرة . نأتي لأمر آخر ..ألسنا كمؤلفين بشر بالتأكيد نعم ..والبشر يخطئون في التحليل وفي نقل المعلومات وقد تلتبس عليهم أمور عدة وقد تتغير وجهات نظرهم تجاه أمر ما أو قضية ما مع الوقت بل من منا لم يندم على مؤلف تعجل في نشره دون تدقيق إملائي أو نحوي أو معلوماتي جميعنا في هذه الأمور على مسافة واحدة فجل من لا يسهو والكمال غاية لا تدرك مما يجعلنا في حاجة دائمة إلى التعديل والتبديل والتصحيح والإضافة والتنقيح وإعادة الصياغة بكتبنا وكلها أمور مكلفة للغاية مع الكتب الورقية التي تتطلب في كل مرة للتعديل والتصحيح والتنقيح إصدار طبعة جديدة وهذا لا يكون إلا مع نفاذ الطبعة السابقة كاملة وبتكلفة جديدة أما في حالة الكتب الإلكترونية فالأمر سهل وميسر حيث تتيح المواقع والمكتبات الإلكترونية حول العالم للكاتب فرصة التعديل المستمر في مؤلفه دون مشاكل أو عوائق وهي ميزة هامة في مسيرة الكاتب والتطوير في مؤلفاته والارتفاع بها والوصول بها إلى درجة الرضا والقبول من جانبه ومن جانب قرائه. نأتي إلى مسألة أخرى ألا وهي حقوق الملكية الفكرية والحقيقة أنها مسألة شائكة خاصة في عالمنا العربي والذي تكثر فيه ظاهرة القص واللصق والاقتباس دون الإشارة إلى المصدر وسرقة الأعمال بالكلية مما يولد خوف لدى الكثير من المؤلفين يجعلهم دائما في توجس من النشر الإلكتروني الذي قد ينزع عن كتبهم غطاء الحماية الذي يوفره لهم رقم الايداع بالكتب الورقية .. بالتأكيد هي مسألة هامة والحقيقة أن المكتبات الإلكترونية العالمية أصبحت متيقظة لهذه المسألة فهي تمنح ترقيما دوليا مجانيا أو ترقيما خاصا بها للكتب المنشورة لديها بما يحفظ حقوق الكتاب والناشرين لديها بشكل كامل وقانوني .
الأمر الأخير هو ما يعتري البعض من تصور مستقبل قاتم للعالم الرقمي الإلكتروني واندثاره مع الوقت وضياع كل تراثه المعرفي القائم على الحفظ الإلكتروني وهو في وجهة نظري تصور بائس لا يستقيم مع عجلة دوران التاريخ والنظرة المتفائلة للمستقبل ذلك أن كل عصر يتسلم الدفة من العصر السابق عليه مضيفا إليه وحافظا له قدر المستطاع فالكتب القديمة وصلت إلينا مع انتشار حركة النسخ في الأمصار وإنشاء المكتبات الكبيرة العامة لحفظها وكل هذه الإجراءات الورقية لم تمنع من ضياع بعض المصنفات بشكل كامل أو جزئي فضلا عن عدم دقة نسبة بعضها لأصحابها وذلك لعوامل عديدة من بينها التقلبات السياسية واحتراق بعض المكتبات أثناء المعارك والغزوات ومع العصر الحديث كان للطباعة دور كبير في حفظ الكتب والمصنفات السابقة واللاحقة ومع ذلك ضاعت الكثير من المؤلفات القيمة بعامل الزمن وإحجام ورثة أصحابها عن الاهتمام بكتب ذويهم أو لأن أصحابها لم يحققوا الشهرة الكافية التي تجعل انتشار كتبهم كبيرا ومتابعهيم كثر ولولا الرقمنة الحالية لضاعت كثير من الكتب القديمة إلى الأبد والتي قد لا يوجد منها سوى نسخ قليلة عند باعة الكتب القديمة على الأرصفة أو لدى بعض الهواة فعادت لها الحياة مرة أخرى مع عصر المكتبات الرقمية المصورة على الانترنت والتي أتاحتها لجمهور كبير من المتابعين للاستفادة منها . إنها التكنولوجيا الحديثة المحايدة والشفافة وضرورة أن نمشي في ركابها ونستفيد منها أقصى استفادة.