محمد عثمونة
كل متابع لمسيرة عالمنا البائس يحس سمعا وبصرا بأنه يمر بمرحلة إعادة تموضع جديدة بفعل قواه النافذة المؤثرة والمتحكمة في مسيرته وسينتهي عاجلا أو آجلا إلى ظهور هيكلة جديدة . ستتولى إدارة الحياة في فضائه الواسع على امتداد رقعة قاراته الست . ومن هنا سيكون ليس من الترف تناول هذا الشأن . بمقاربات قد تثري وتساعد وتدفع بمخاض هذه المرحلة الانتقالية نحو الانفراج عن أدوات توازن . وتضبط مسيرة العالم في هيكلته الجديدة . وتبعده وتدفعه نحو تنكب عدائيته الفجة التي انغمس فيها حتى أذنيه في زمن ليس ببعيد عن حاضرنا الذي نعيشه والشاهد الأقرب على ذلك والذي يتماس مع موضوع هذا التناول . نستطيع استدعاءه من صفحات التاريخ في ذهاب الإنجليز بأسطولهم البحري مع منتصف القرن السابع عشر إلى بحر الصين لإخضاعها عبر حربين انتهت بعد مذابح واسعة , باتفاقية ألزمت الصين . باعتماد تجارة الأفيون – تجارة المخدرات – كنشاط تجاري مشروع يمارس على أرضها . كان الغرض من جر الصين عنوة نحو هذا النشاط . يهدف لإنهاكها وانتهاكها بفعل إشاعة تعاطي هذا الأفيون بين الصينيين . وصارت وسعت هذه الدولة بفعل اتساع تعاطيه إلى طرح الأحمال الإيجابية البناءة عن كاهل كيانها , التي تمكنت بها من تخطي إطار السوق الاستهلاكية . بعد وصولها وبمثابرة أبنائها إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي . الذي يدفع ويحفز نحو استدعاء هذا الحدث التاريخي من ثنايا الماضي القريب ليجعل منه شاهدا ماثلا أمام العيون ليس غير الرغبة للتنبه بأن أدوات ووسائل ونهج قد اُستخدم في الماضي القريب وها هو يُعيد إنتاج نفسه بذات الأدوات والوسائل . ويُلمّح ومن خلال إعلانه عن نفسه باقتفائه نفس النهج. قد جاء كل هذا على أيادي حلف بحري قد شرع في التشكل على يد إنجلترا . أستراليا ثم أمريكا مُعتمدا في مشروعه السلاح البحري المدعوم بغواصات تتغذى بالطاقة النووية . التي تمكّنها من البقاء تحت الماء وفوقه شهورا مديدة . دونما حاجة لزيارة موانئ الشحن والإمداد والصيانة. وقد حدد الحلف ساحة عملياته وشؤونها على اتساع وامتداد ملتقى المحيطين الهندي والهادي . وما يزيد من أهمية الحدث إمكانية انزلاقه إلى الأسوأ لأنه وبمختصر القول وكما تُبين أحداث التاريخ . بأن أحد مفردات الحلف الثلاثي ذات نزعة استعمارية شيطانية فقد كان لها الدور الرئيس في حربي الأفيون الأولى والثانية التي عصفت بذات الفضاء البحري مع منتصف القرن السابع عشر وقد أظهرت أحداث التاريخ . قبل هذا الحدث وبعده . بأن لهذه الدولة قدرة استثنائية على خلق الحروب عبر جر الدول إلى ساحات الصراع الخشن . فبمعلومات غير دقيقة عن أسلحة الدمار الشامل . دفعت الأمريكان نحو تحريك أسطولهم إلى البحر المتوسط ليخوضوا وبرفقتها حربا مدمرة على العراق . ولم تكتف بذلك فقد حاولت مع الغرب الأوروبي وكان حليفها الفشل في خطوتها تلك. الغريب والملفت في كل ما فات ذكره بأن الدافع الرئيسي نحو تشكيل هذا الحلف البحري يرجع إلى قدرة الصينيين على استنهاض طاقاتهم الذاتية. التي تمكنوا بها وبمثابرتهم مزاحمة الدول المتقدمة. ومشاركتها في الدفع بالاقتصاد العالمي خطوة نحو الأمام . وربما ما عجل من الولادة القيصرية لهذا الحلف البحري يرجع إلى اجتهاد الصينيين في بعث الحياة فيما يُعرف بطريق الحرير . الذي يهدف إلى انسياب السلع نحو أسواق العالم بقدر عالٍ من السلاسة . لاشك بأنه سعي وراء الربح ولكنّه وفي آن يزيد في المعروض من السلع . فينعكس ذلك على الأسعار فتكون في المتناول . وهذا وجه من وجوه الرخاء . ولكن الاستفهام الكبير يقول : لماذا لا يذهب هذا الحلف إلى ساحة الاقتصاد لمزاحمة الصين هناك؟ ولماذا اختيار ساحات وسلاح الحرب وتغليب خيار الدمار على خيار ساحات إنتاج الوفرة بسلاح التنمية وتطويرها؟ . كنت أحاول الوصول بالقول من خلال كل ما سبق إن إعادة التموضع التي تبدو ملامح تشكّله في الأفق العالمي ولكي تكون نتائج هذا التشكل تدفع في اتجاه النمو والتقدم يجب – في تقديري – مصاحبتها بإعادة هيكلة في بنية الهيئة الأممية كي تتمكن المنظومة الأممية من ضبط إيقاع التدافع العالمي على جميع ساحاته وتجعل منه بعيدا عن الانفلات إلى منحدر الأنانية الفجّة . وهذا في تقديري وللوصول إليه يجب مقاربته من خلال إعادة صياغة مجلس الأمن فى عضويته الدائمة . فالوصول إلى توازن داخل مناقشات المجلس قد يبعده عن الشطط في قراراته وللوصول إلى هذا التوازن في تقديري قد يُحدثه إضافة عضو سادس دائم العضوية إلى المجلس تتوفر فيه إمكانية إحداث التوازن المطلوب وهذا يأتي – في تقديري – من خلال عضوية دائمة بالمجلس تكون لها مقاربات مختلفة لإدارة وتفكيك معضلات وأزمات العالم . لتثري موضوع النقاش والتداول داخل جلسات المجلس وتقرّبه إلى حالة النضج وقد يتوفر هذا -في تقديري- في شخصية الدولة الألمانية. وقد ظهر تمايزها أمام الجميع في مقاربتها المختلفة لأزمة الهجرة . أثناء تفاعلها مع موجات المهاجرين السوريين . كانت جل الدول تقوم بقفل الأبواب في وجوههم في حين كانت أبواب الألمان مُشرعه لاشك بأن في ذلك شيء من النفع للألمان , ولكن لا تخلو من مسحة إنسانية . كذلك كان الألمان ودائما عمليين مع ما قد يعترضهم وقريبين أيضا من الموضوعية وقد ظهر ذلك في تفاعلهم مع مشاكل وأزمات الاتحاد الأوروبي وهذا يجعلهم الأقرب – في تقديري – من غيرهم . لخلق توازن داخل جلسات مجلس الأمن الذي يحتاج لما يُبعده عن الشطط في قراراته وقد يوفر ذلك التوازن الذي يحتاجه مجلس الأمن خصوصية المقاربة الألمانية لأزمات ومشاكل العالم . أمّا دول العالم الثالث فلم تشب بعد – في تقديري – على طوق التبعية فهي ليست غير رجع لصدى أنجلوفرنكفوني. انتهى . السيد رئيس التحرير المحترم . نأمل نشر هذا المقال على صفحة موقعكم ولكم التقدير والسلام .