محمد مسعود
بينما كنت عائِد من التمارين صباحًا ، كان الطقس بديعًا، ورائعًا كأنه لأول مرة قد يحدث. تشعر كأنك مواطنًا سوسريًا – أو – مواطنًا إنجليزيًا يسكن في أحد أحياء مانشستر وينصت إلى فرقة بينك فلويد. ربما كان مجرد شعور عابر، ولم أدرك معاني.. وعدتُ بأدراجي إلى الشارع الذي أسكن فيه ، فصادفني (منادي الملابس القديمة) يرتدي جِلْباب صعيدي، ويلف على رأسه عمامة. بينما يحمل فوق كتفه كيسً قديمًا..
وينادي بصوت مرتفع : – “دبش قديم للبيع.. أيّ حاجة قديمة للبيع …” في الحقيقة، منذ طفولتي ومراهقتي لم أشاهد (منادي الملابس القديمة) هنا، منذ أن كان عمري عشرون عامًا لم أراه، وحين شاهدته اليوم عادت ذاكرتي إلى الوراء، وكأنها شريط سينمائي بألوان باهتة.
ذكرني (المنادي) بأيامنا، وبخطط الأصدقاء حينها، أيامًا كنا فيها صغارً، وكنا نذهب إلى امهاتن، ونطلب منهن ما تبقِ من ملابس قديمة لدينا. ليس لشيء. بل لكي نبيعها، ونشتري بثمنها تذاكر لدخول ملعب 28 مارس، ونشاهد مباريات الدوري الممتاز ومباريات الأهلي بنغازي.. تلك كانت أيامنا التي جعلتنا هكذا في يومنًا هذا. ابتسمتُ للمنادي
وقلت له في ود: – “أهلا.. صباح الخير.. آنست يا باشا ..” لم ينصت إليّ، وإلى التحية التي بادرته بها. ربما كان صوتي منخفضًا كعادته، فكان يظنني قد أبيع قطعة قديمة، فتوقف للحظة،
ونظر إليّ ثم أردف يتساءل: – “عندك دبش قديم للبيع يا سطى؟! ..”
كنتُ حريصً على رسم الإبتسامة في وجهه، وفكرتُ للحظة ثم قلت له في ود أيضاً: – ” لالا.. شكرًا.. ربي يفتحها في وجهك يا باشا ..” ابتسم في وجهي وكأن ثمة مهرجان للإبتسامة – أو – يومًا عالميًا،
وقال وهو يشير بيده: – “طيب يا سطى.. نهارك قشطة ..” وعادَ ليستمر في نداء الناس والاسترزاق: – “دبش قديم للبيع.. أيّ حاجة قديمة للبيع ..” حينها عدتُ إلى البيت وأنا كلي حنين لمباريات ملعب 28 مارس والشاهي بالكاكاوية وسندوتشات بوذراع.. ليعلو صوت المذياع وتغني تونس مفتاح: – “ما تغيب عني ما تغيب.. ما تغيب خليك قريب ..”