من ” أدب الرحلات “

من ” أدب الرحلات “

  • قراءة / عمر عبد الدائم

خلال اليومين الماضيين أكملت قراءة كتاب رائع أهداه لي صديق عزيز ، الكتاب غاية في المتعة والتشويق بالإضافة إلى كونه يعطي فكرة عامة حينا وبتفاصيل دقيقة أحيانا عن تلك الحقبة التي يتناولها. عنوان الكتاب (مغامرات في طرابلس ، طبيب في الصحراء) لمؤلفه الطبيب البريطاني (ارنست جريفن) الذي كان قد أُرسل ضمن بعثة طبية من قبل (جمعية الهلال الأحمر البريطاني) لإسعاف ومعالجة ضحايا الحرب من الليبيين سنة 1912م، وقد قام بترجمة الكتاب للعربية وبأسلوب جيد جدا (المبروك محمد الصويعي). ويمكن إيجاز ما استوقفني في الكتاب في النقاط التالية: * الحالة التي كانت عليها البلاد في تلك الفترة الصعبة من تاريخها والتي شهدت تسليم طرابلس من قبل تركيا العثمانية للاستعمار الإيطالي وترك الليبيين يواجهون مصيرهم.

* يصور الكتاب حياة سكان مناطق الغرب الليبي (طرابلس و مدن الساحل الغربي وغريان ومزدة وقرى الجبل الغربي بشكل عام ويفرن بشكل خاص قبل قرابة 120 سنة من اليوم).

* الواقع الرهيب الذي كان عليه الليبيون في تلك الحقبة حيث الفقر المذقع لدرجة العدم، وانتشار المجاعة والأمراض والأوبئة الناجمة عن ذلك الفقر والتخلف والأمية.

* مع كل ذلك الواقع البائس كان هناك من هو مستعد لبذل حياته في سبيل هذا التراب ولم يكن لكلمة(البترول) من وجود حتى في خيالهم.

* يبدو أن بلادنا عبر تاريخها الممتد لم تخلُ يوما (ولن تخلو) من اللصوص وقطاع الطرق ومن يمتهنون السلب والنهب.وهنا أقصد أبناء جلدتنا لا الغرباء.

* كان السواد الأعظم من الليبيين متساوين في ضنك العيش وقسوة الحياة.ولطالما كنت وأنا أقرأ الكتاب أتعجب لتصرفاتنا الاستعلائية تجاه بعضنا اليوم ونحن جميعا أحفاد أولئك البائسين. أما عن الكاتب فأعجبني فيه:

* هذه الروح المحبة للمغامرة، فلو أنه اكتفى بالبقاء في خيمته ومعالجة مرضاه ما كنا استمتعنا بكل ما جاء في هذا الكتاب.

* لأدب الرحلات فائدتان ، فهو إلى جانب كونه تصوير لمشاهدات شخصية واجتماعية فإنه يلقي بظلال تاريخية على وقائع من تاريخ الشعوب. وهذا ما نقله الكاتب -حسب وجهة نظري- بكل صدق وأمانة.

* على الرغم من تعرض مؤلف الكتاب لعدة مواقف غير محمودة في عدة مناسبات من قبل بعض الليبيين فإنه لم يعمم صفة غير محمودة، في حين أشاد في عديد المرّات بالعديد من الشخصيات، بل وبالليبيين جميعا وبدينهم وثقافتهم وحرصهم على الدفاع عن وطنهم في ظل واقعهم البائس.

* حتى وإن وجدت عبارة أو اثنتين تسيء لطائفة من الليبيين أو جلهم فإنني أعتبرها لا تساوي شيئا أمام ما واجهه الكاتب من أفعال إجرامية وخيانات من قبل من ائتمنهم. أخيرا،، وللأسف أقول إنه في كثير من الأحيان وأنا أقرأ الكتاب كان يتملكني إسقاط ما أقرؤه على واقعنا الحالي فأجد الكثير من الصور (السلبية حد الخجل) تتكرر الآن وكأنها نسخة ملونة لصور ذلك الوقت. بقي أن أذكر أن الكتاب صدر في طبعته الأولى سنة 1924 والثانية 1984 في حين صدرت ترجمته للعربية سنة 1993م.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :