( من رسائل البحر):

( من رسائل البحر):

 

1)
يمرّ العمر ، أعبر بين حقول اللوز وسهل ومرج ،، لا أخطىء الطريق فقد علّمتني عيناك أنّ الدليل للوطن قلب صغير وثلاثة حروف مقدّسة ،، وكلّما فاض بي الحنين أحمل زوادة السفر من زيت وزعتر ،، وحبات من الزيتون الأخضر من زيتونتي التي تزيّن ساحة الدار وأمشي كما العابر من كرملي الى حيث عرّج الرسول في ليلة الى السّماء ،، أمرّ بالقرى والمدن ، بالفلاحين وهم يحرثون الأرض ، بأسوار عالية حجبت أرض القداسة عن أخواتها .
لك يا سيّد الوقت والصبر أبوح ومن وراء الجدار العازل أغنّي بصوت هامس ( للقدس) فكاتم الصوت ينتظر ، والقنّاص يضغط على الزناد وأمّ الدنيا تقف بكل عظمة ووقار في وجه المعتدي ،، أراك ترافقني مشواري فيعانق النيل جبين القدس ويبكي الموال ،، هنا حيث لا مفر ولا عودة تركض غزالة التلال ويهرول الصياد وراءها ويخطىء سهمه ..ويتعالى لحن ويتصاعد صوت لأغنية فلسطينية تأبى الخضوع : ” يما مويل الهوا يما مواليا ، جرح الخناجر ولا حكم النذل فيّ” وأرسلها لك رسالة حبّ وشوق بين أرض الكنانة وكنعان :

لك أن تنامي في حضن الرّدى ، وأن تخدش أناشيد العصافير حمرة خدّيك ، لك أن يرسم الحزن على ” جدارك العازل” وجها من رماد ، أن تعلّق الرّيح جديلتك الطويلة على جيد الوقت ، لك أن تغلقي نوافذك المطلّة على جسد ” غزة المحروق” وعلى ” بغداد ” النائحة برداء مخاضها على ضفة دجلة ، لك أن تختاري من الشهداء أزرار فلّ ، أنثريها على روح فارسك المهزوم ، ربما ” يا غزالة التّلال” أيتّها الكنعانيّة الراقصة في رحلة الفجر ، المتكسّرة الأهداب على جسر العودة قد مررت بالأمس قرب جنازتك ، اعتليت درج الاسراء الى السّماء، عودي أيّتها الموشّحة بوجع الذّاكرة ، عودي كي يعلن الرّب عن وهج النبوءة ، كي يهلّل للقتيل وراء القتيل ، وراء القتيل ، كي يحرسك النّدى من اغتيالات الغزاة ، من وقع حوافر الخيول المحمّلة بنجوم من احترقوا في دم الرحيل ،، ونزفوا على ” تلال كنعان” حلمهم الزّجاجيّ الأخير ، عودي لتفصّل لك فلسطين من جرحها ثوب عرسك واكليل مجدك ، وعزّك وقهرك ، ذلّك وفخرك ، ظلك ولونك .عودي كي يدلّ عليك البرق باصبعه وأنت تحملين زوادة السّفر على ” فوّهة بندقية” ، تتسللين ليلا باحثة عند أعتاب القبور ، تهمسين ” لهدهد الشّرق” أن يخرج من حنجرة المنافي حين غافله الحارس الليليّ وأرخى على جسده ترابا قدسيّا، وبنفسجا ، ورائحة زعتر بلّلت ضفائرك بالحنّاء ، عودي يا صبيّة تدرج على ملوحة الرّمل ، تسكنها الفجيعة ، عودي بصمت لالتقاط غصن زيتونة سقط سهوا من فم الحمام أيّتها الكنعانية الصامدة كم امتدت أياديهم لتعبث بطهارة رحمك ، بخصرك ، بمعصميك وأنت تقدمين العزاء لضحاياك الذين غطّاهم الماء ، تركوا نوارسهم فوق أجنحة الرّيح وغابوا ، التحفوا عباءات الصّدى وهو يضيق ، ويضيق ، ويضيق . لك أن تفردي ظلّك على بحر حيفا ويافا وعكا ، لك أن تستريحي قبل الدخول الى الموت البطيء ، قبل أن يخلع عصرهم أحذيته المطاطية ، ويراوغ حلمك المشتهى بالرجوع ،، عودي فقد ناح ” الفرح اليابس” على شفتيّ صمتك ، عودي ( يا قدس الأقداس ) علّنا نصحو من سباتنا ونسأل كم من دمك عبثت به يد الغزاة ، كم من الاعتذار يا سيّدتي نقدّم لك ؟؟؟

الاديبة الفلسطينية هيام قبلان

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :