من رواية حدقة الكون

من رواية حدقة الكون

روضة الفارسي

في ليالي الربيع  كنت أتجمّد أيضا من  البرد ومع ذلك لا أفكّر إلّا  في أمّي ، وكم ليلة بقيتُ ساهرة حتّى الصّباح أرتعد من فرط الصّقيع، أنا الّتي اعتدت على الفراش الوفير والقصر الدافئ والخدم والخشم ،ومع كل ذلك كان كلّ همّي أمّي وكيفيّة شفاءها وتحقيق حرّيتها وهدفها المبتغى.  في رحلتنا تلك ضللنا وجهتنا اكثر من مرّة أنفقنا الكثير من الوقت والتّعب حتى نجد من يدلّنا على الطّريق الصّواب فأمّي التي كانت تعرف وجهة الزيزفون ما عادت تبصر. و كنت أسمع آخر الليل صوت صلواتها الكثيرة وبكاءها الذي يشقّ  الصّمت وقلبي،   فأبكس في سرّي  داعية العليّ القدير  ألّا يطلع الصّباح إلّا وأمّي تبصر، لكن يحلّ  النهار من جديد ويخيب رجائي من جديد فأصبر  محدّثة نفسي :سنصل الى الزيزفون بإذن الله ،سنصل، سنصل وأرى أبي، وستعالج أمي ونعيش جميعنا في حبّ وسعاة وسلام.

 ذات مساء رأينا عن بعد منطقة سكنيّة فاستبشرنا وما ان حثثنا السير  حتّى رأينا  كوكبة من الفرسان تركض وراءنا فارتعبنا وقلت في نفسي لقد وصل الينا يعقوب ومعه فرسان أو لعّله ابن كاظم نحاس قد أرسل جنوده في إثرنا ـ وحين وصل الينا الفرسان ترجّلوا واقتربوا منا :

أنتم الى أين؟

نحن نقصد بلاد الزّيزفون.

ولماذا تتجهون غربا إذن؟

–  يبدو …   أنّنا ظللنا الطريق

– – من أين قدومكم؟

لم نعترف أنّنا أتينا من الصّقور أو حتّى من بلاد صاحب الشّامة على الجبين صمتُّ وأنا في غاية الارتباك وأجاب بحر:

أتينا  من قرية قريبة هي….وو

–  تقصد قرية ووريا؟

قلت بسرعة:

أجل ،أجل… لقد ارتبكنا لأن أمي سقطت من الجواد وفقدت…

طريق الزيزفون شرق هذه البلاد، أرجوا أنّكم لا تراوغونا فتذهبون غربا حين نختفي، فالطّاعون هناك يفتك بالعباد.

لا لا ،ولماذا نذهب الى الغرب والزيزفون شمالا كما ذ كرتم؟ الزّيزفون هيّ كل غايتنا.

 ركب الفرسان جيادهم فتنفّسنا الصّعداء وهمس لي بحر:

صحيح أنّنا ارتعبنا لكن لولا هؤلاء لقصدنا طريقا معاكسا للزيزفون

حسنا لنذهب في اتّجاه تلك البيوت

جثم اللّيل ولم نصل الى تلك المنطيقة العامرة حتى أنّنا كدنا نحسب أن ما رأيناه كان سرابا فنمنا تحت أشجار  الصّنوبر مسلمين أمرنا لله .

 فتحت عينيّ فوجدت أنّ الصّباح بدأ يتفتحّ لكنّ ضبابه يلف الاشجار و البيوت المبتغى  المحتملة ، لم يمرّ الكثير من الوقت حتى انقشع الضّباب و سمعنا أصوات أغنام ثم رأينا قطيعا من الخرفان والماعز يصحبهم راعي وكلب.

فاتجهت وبحر اليه

صباحك طيّب ايها الشّاب

صباح الخير

من فضلك  هل من عين في الجوار؟

لا،ـ إنها بعيدة، ولكن معي قربة  ماء تفضّلوا واشربوا

أعطانا الماء وحلب معزته وأعطانا حليبها ثم مد لنا الرغيف الوحيد الذي في جرابه فامتنعنا  بلطف وتعفّف ممتنين له، لكنّه أصرّ أن نقتسمه فشعرنا بالخجل والحرج ولم نأكل إلا القليل.  أخبرناه كيف فقدت أمّي بصرها وكيف ضللنا الطريق فحنّ علينا كثيرا وعاملنا بحسن ورفعة أخلاق وطلب منا ان نرتاح بجواره  وأخبرنا أنه سيصحنا الى قريته  في مساء.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :