هجرة مؤقتة

هجرة مؤقتة

كتب :: علي شلبك 

من هو بطل القصة ؟

هو طفل ظلمه القدر و أجبرته الحياة على أن يعيش المعاناة و العذاب مبكرا , لم يكن متوقعا ان يكون مختلفا عن اقرانه و اصدقائه ولم يتصور يوما ان يسوء الحال به ليصل لهذه الدرجة

(علاء شعبان احريبي حميد) , طفل ليبي من مواليد 10 فبراير 2004م من منطقة العدول في مدينة قصر الاخيار التي تبعد عن العاصمة طرابلس حوالي 70 كم .

(علاء) هو اخر العنقود و هو الابن الاصغر لعائلة حميد المكونة من 9 افراد , قصة علاء تبدأ عند إصابته بمرض السرطان منذ كان عمره 5  سنوات و تحديدا في سنة 2008 لم يعش علاء طفولته الطبيعية التي عادة ماتتضمن المشاكسة و اللعب , اما الدراسة فقد واصلها للصف الخامس و لم يكمل دراسته كباقي زملائه بسبب حالته الصحية المتدهورة و بسبب تواجده بشكل مستمر في المشفى .

رحلة العلاج 

بدأ علاء رحلة علاجه منذ سنة 2008 ومر بلحظات هي من اصعب لحظات عمره كل لحظة كانت تمر عليه يتذوق فيها ألم المرض و بشاعته , بدأ يأخذ جرعات الكيماوي التي كانت تعطي له كعلاج مجاني حيث كان يتلقي العلاج في المستشفي الطبي بالعاصمة طرابلس متكفلة عائلته بمصاريف التحاليل الطبية و بعض الادوية التي كانت تطلب من حين الي اخر , لم يحظ علاء بفرصة السفر في تلك السنوات بل استسلم للجرعات التي كانت تزرع في شرايينه و تنهك جسده و تعطي القليل من الامل للتعافي من هذا المرض الفتاك و الخبيث .

علاء كغيره من المصابين بسرطان الدم كان يتلقى معاشا من الضمان الاجتماعي التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية قدره 130د و بعدها اصبح 250د و اخيرا استقر على 450 

بعد 2011 

لم يكن وضع علاء مختلفا كثيرا بعد سنة 2011 فزدات حالته سوءا و اصبح المرض ينهش جسده اكثر فأكثر ومع التغير الذي حدث في ليبيا و تعاقب الحكومات الا انه بقي الحال كما هو مع وجود محاولات لتسفيره فقد أصدرت وزارة الصحة الليبية قرارات لعلاج الاطفال في الخارج عن طريق اللجان الطبية التي كلفتها الوزارة بالتعاون مع السفارات و القنصليات الليبية في الدول المستهدفة , من بينها الاردن التي صدر قرار علاجه في مركز الملك حسين للأورام حيث تحصل علاء هو ووالدته على تأشيرة الدخول و جاء الرفض لأخيه فتحي المرافق لهما مما صعب عليهم السفر , ولكن كانت هناك وجهة اخرى للسفر و العلاج عن طريق وزارة الصحة و هي ألمانيا و كذلك لم يحدث شي موضحين السبب أن  ( الموضوع يحتاج لعلاقات ووساطة )  .

 قرار الهجرة 

لم يكن اتخاذ قرار كهذا سهلا على عائلة علاء فأغلبهم لم يوافق ولم يقتنع بالفكرة أساسا ولكن مع الحالة الخطيرة التي وصل اليها ابنهم لم يكن هناك خيار اخر و كل الحلول لم تفِ بالغرض , فبعد جرعات الكيماوى و المصاريف و بعد اصرار الاطباء على زرع النخاع و بشكل عاجل و ابلاغ اهله انهم لايستطيعون الاستمرار في علاجه بسبب الكمية الكبيرة من جرعات الكيماوى التي كان يأخذها و التي ربما ستتسبب له مشاكل صحية خطيرة كالفشل الكلوى , أصبح التفكير في الهجرة أمرا واقعيا بعد أن فقدوا الامل في وزارة الصحة و الجهات التي تواصلوا معها  .

ليلة الجمعة 

بعد ان خاب ظن اهل علاء في الحكومات الليبية لم يتبق الا خوض مغامرة الهجرة التي يفلح فيها بعض المهاجرين للوصول الي الضفة الاخرى و البعض الاخر تلتهمه أمواج البحر الابيض المتوسط , في ليلة الجمعة 9 مارس 2018 تحديدا الساعة 11:30 و بعد ان ودّع علاء عائلته في البيت رافقه اصدقاؤه و بعض شباب الجيران الي شط البحر القريب منهم ( بحر السواني – منطقة العدول ) و هناك كان القارب جاهزا بالمؤنة و البنزين مرفقا علاء بتقريره الطبي و ابرة التغذية , شخصان من سيرافقان علاء في رحلة مجهولة المصير هما اخوه محمد ذو 31 سنة و ابن خالته احمد ذو 23 عاما , بدأت الرحلة و شق المهاجرون الثلاثة طريقهم الي اعماق البحر دون معرفة ماينتظرهم من مخاطر , كانت الامواج مرتفعة في تلك الليلة و كان الثلاثة خائفين مرتجفين من البرد .

لحظة الانقاذ 

واصل المهاجرون الثلاثة الإبحار قرابة 5 ساعات و رغم ماحملته تلك الساعات من خوف و رعب وسط امواج هائجة في عرض البحر الا ان اللحظة التي ظهرت فيه سفينة انقاذ اسبانية كانت بمثابة انجاز و نجاح تحقق و أمل بالوصول الي بر الامان , استقبل طاقم السفينة الذي كان يبلغ عدده تقريبا 20 (محمد و علاء و احمد  استقبالا رائعا ) كما وصف محمد , لم يكن هناك من يتحدث العربية و لكن محمد كان يتحدث الانجليزية و استطاع توضيح الأمر و الحالة الصحية الخطيرة التي وصل اليها اخوه علاء , و بناءا على ذلك اجرى كشف مستعجل لعلاء و بعدها تم نقلهم من هذه السفينة الي سفينة أخرى ( سفينة أطباء بلا حدود ) التي اوصلتهم الي ايطاليا .

بداية العلاج 

بعد وصول علاء ايطاليا تم توفير العناية الطبية اللازمة له و تجهيز الاجراءات و الكشوفات و التحاليل حيث توجه يوم 24 مارس من مدينة كاتانيا الجنوبية الي مدينة جنوا الشمالية لإجراء عملية زراعة النخاع في مستشفي غازيلي بعد حصوله على متبرع, استمر علاء في العلاج بالمشفي حتي اجريت له عملية جراحية في 30 مارس نتج عنها بتر لرجله اليسرى كحل أخير و ذلك بسبب وجود بكتيريا في قدمه عاني منها من مدة ,تدهورت حالته الصحية والنفسية بعد عملية البتر , الأطباء أوضحوا أن التأخير في علاجه هو السبب في ذلك و في الحالة المستعصية التي وصل اليها و حاليا يتم التجهيز لإجراء عملية اخري و هي ( زراعة النخاع ) .

عندما سألت أخ علاء بمن يتكفل بمصاريف علاجه أجاب ( وزارة الصحة الإيطالية و من غيرها سيتكفل بعلاجه , نحن طرقنا كل الأبواب في بلدنا و لا مجيب ) و أضاف ( هناك حالات أخرى كثيرة مثل علاء و أكثر سوءا لم يجدوا الاهتمام و العناية اللازمة و هم يستعدون للهجرة من أجل العلاج وبنفس الطريقة )

علاء ليست الحالة الوحيدة التي تعاني سرطان الدم في ليبيا بل هي الحالة النادرة التي تشق البحر على قارب الموت نحو بلاد قد تكون اكثر رحمة و عطفا , رحلة علاج كلفت الكثير , ليس الكثير من المال فقد كانت رحلة مجانية بل كلفته معاناة لن تنتهي حتي ان انتهى المرض.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :