نجم الترهوني
- حـوار مع جَـدّي …
خمسة وسبعون عاماً من الكِفاح ، دماء ورصاص ، صراخ و بارود ، مخيّمات و لاجئين …
“لم تسعفنا الظروف ولم نكن محظوظين” هذا ما يقوله جدي الذي كان يستمع لإذاعة صوت العرب بحماس قومي وهو في العشرينات من عمره ..
في الستينات كانت القوة متكافئة ، متقاربة ، على جميع الأصعدة
كنا أقوى عسكرياً ، كنا أكثر عدداً و عدةً و عتاداً
حتى على صعيد التحالفات ، فكان نصف العالم معنا ، و النصف معهم …
من الذي كبّلنا ؟
لماذا عُزِلت مصـر “رأس الحـربة” و انتهى دورها في هذه الحـرب التاريخيـة المصيرية!
سألت جدي هذا السؤال ، و سألته ماذا كان يقصد بقوله “لم نكن محظوظين”
فقال لي : النكسة و الأخطاء العسكرية الفادحة التي ارتكبها عبدالحكيم عامر التي أدت لخسارتنا …
ثم استعدنا قوتنا من جديد و دخلنا في حرب الاستنزاف و اشترت مصـر ما يكفيها من أسلحة متطـورة و منظومات دفاعية حديثة لتستعد لخوض ( حـرب التحريـر ) ..
حتى جاء الشيطان ، ثعلب كامب ديفيـد أو “اسطبـل داود” كما يحب جدي تسميـته …
فبعدما انتهـى حلـم الجمهوريـة العربيـة المتحـدة و جُمِدت مصـر وتنازلت عن دورها ، و هي الأقوى عربياً !
وهي من بدأت و قادت جميع الحروب
سقطت أنيـاب الأسـد العـربي ، و كُسِـرت مخالـب صقـر قريـش
و كانت بداية انتصارهم ، فهل حقـاً انتصـروا ؟
سيجيب جدي عن هذا السؤال ولكن بعد أن يستفيض بإيضاح المقصود بمقولة “لم نكن محظوظين”
بعدما جُمِدت مصر … سقـط الإتحاد السوفييتي
القطب الذي كان يمدّنا بالسلاح -وإن بخل في بعض الأحيان- لكنه بشكلٍ عام كان يقوم بدور إيجابي لصالحنا …
و راح ياسـر عرفـات يزور البيت الأبيض
أو كما يقول مصطفى طلّاس : دخل للبيـت الأبيـض كالكلـب الأسـود
و راح يدخل في إتفاقية أوسلو ، التي نسفت كل ما يتعلق بحلـم زوال الكيـان … و راح يؤكـد علـى أن الكيان أمـر واقع كما قال الفسادات …
و في الألفية سقطت العراق ، و سقطت ليبيا …
و أعترف أغلب أعضاء الجامعة العربيـة بالكيان ، حتـى ليبيـا أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من أن تفعل …
فهل بهكـذا انتصـروا يا جـدّي ؟
فيجيب جـدّي أخيـرا و يقـول :
لقـد أحتلـت فرنسا الجزائر 132 سنـة و أحتـل الصليبييـن نفس الأرض وهي فلسـطين 192 سنة ..
و عمر هذا الكيان الهـش هو 75 سنة .. و عدد سكانه 10 ملايين
و محاط من جميـع الجهـات بـ نصف مليـار عـربي !
ووفقاً للقواعد التاريخيـة ، هـذا الكيـان لا يمتـلك مقـوّمات البقاء ، فهو كيان مصطنـع مُختلـق و غيـر طبيعـي و الحتمـية التاريخيـة تؤكـد زوالـه ، فلـم ينتصـروا.