هل يعتبر التَّلوُّث الصَّوتِي جريمة يعاقب عليها القانون !!

هل يعتبر التَّلوُّث الصَّوتِي جريمة يعاقب عليها القانون !!

صاحب تطورالحياة المدنية أصنافاً جديدةً من التلوث ، و منها التلوث السمعي (الصوتي) ، فبعد أن كانت الأصوات الآدمية المرتفعة هي ما يشكل الأذى السمعي في معظم الأحيان ، أصبحت مجالات هذا التلوث متنوعة ، و ذلك باختراع العديد من الآلات و المعدات التي تصدر الأصوات المزعجة ، داخل البيوت و خارجها ، في المدن و الأرياف ، و من أشخاص طبيعيين أو أشخاص أعتباريّة ، إبتداءاً من الأجهزة المنزلية و الأجهزة المسموعة ، و أجهزة الموسيقى الصّاخبة ، إلى أبواق السيارات ، و أصوات الدراجات النارية ، و الألعاب النارية ، وصولاً لأصوات القطارات و الطّائرات ، و المصانع الكبرى ، و كلها يصيب الجهاز العصبي للإنسان بالخلل ، و كذلك جهازه السمعي ، و القلب و الدورة الدموية ، الأمر الذي حدا بالمشرع في دولٍ كثيرةٍ إلى تجريم فعل الضوضاء ، و تقرير عقوبة له …

مصادر التلوث السمعي

في هذا التقرير سنتناول هذه الظاهرة الخطيرة التي تغفل عنها الكثير من الجهات المسئولة وكذلك المواطنين، لا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه و تشعبت مصادر التلوث السمعي وسوف نستعرض ونجمع شتاتاً من النصوص القانونية المتعلقة بموضوع التلوث السمعي و المتناثرة في بعض القوانين ، في محاولة لتحليلها و توضيح ما يشوبها من غموض ، و مدى ملاءمتها لواقعنا المعاش .

في محاولة لتسليط الضوء على هذه الجريمة ، التي لم تأخذ نصيبها من الإهتمام من جانب المشرع  الليبي ، بالإضافة إلى نشر هذا الجانب من الثقافة البيئية في مجتمعنا وفي هذه الدراسة سنتناول عدة جوانب دينية وقانونية ليكون ألقارئي الكريم على بينة بمخاطرة هذه الظاهرة وما يقابلها من قوانين وعقوبات .

جريمة التلوث الصوتي في الشريعة الإسلامية

الأصوات ذبذباتٌ تطرق الأذن ، فيترجمها الدماغ إلى معانٍ معينة ، قد تكون تلك المعاني ذات فائدة ، و قد لا تكون كذلك ، و بذلك تكون مجرد ضوضاء أو صخب لا يُوصِل إلى مفاهيم محدّدة .

فللأصوات ، و حاسة السمع التي تدركها أهمية بالغة في حياة الإنسان لأنها وسيلة الإتصال الأولى بين الناس ، و لذلك تعتبر حاسة السمع من أكبر و أول النعم التي أنعم الله بها على الإنسان ، و ذَكّر بها في كثيرٍ من آياته البينات ، منها قوله تعالى : ) وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصَارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُون ([1] ، و قد تتأذّى هذه النعمة ” حاسة السمع ” أذىً مادياً أو معنوياً و هذا ما يطلق عليه بالتلوث الصوتي .

و يكون التلوث الصوتي مادياً بالأصوات العالية ” الضجيج ” التي تُحدث ذبذبات شديدة تزيد على الحد المسموح به و تؤثر على صحة الإنسان و سمعه ، و هذا المعنى الشائع للتلوث الصوتي .

و لكنه قد يكون معنوياً أيضاً و يتمثل في أصوات أو كلمات يتأذّى الإنسان نفسيّاً من سماعها و لو كانت خافتة ، و ذلك كالكلمات الفاحشة و الألفاظ النابية[2]

و قد نهى الدين الإسلامي الحنيف عن التلوث الصوتي بمعنييه المادي و المعنوي فجاءت آيات الله البينات التي تحث على السكينة و الهدوء و تُبَيّن أن من آيات الله الكونية أختلاف الليل و النهار ، و قد جعلهما الله تعالى متعاقبين يخلف أحدهما الآخر ليكونا عبرةً لأولي العقول المتدبرة : ) وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ([3] .

و قد سخرهما كذلك لمنفعة الإنسان و تحقيق الخير له : ) وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ ذَائِبِين و سَخّرَ لَكُم اللَّيْلَ وَ النَّهار ([4] .

و من منافع تسخير الليل و النهار أن يكون الليل للنوم و الخلود للرّاحة و السّكون ، و هي أمور جدّ حيويّة لا تستقيم الحياة بدونها ، قال تعالى : ) هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهَارَ مُبْصِراً ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْعمُون ([5] .

و تحضُّ السنّة النّبوية على إلتزام السكينة و الهدوء في جميع مناحي الحياة ، فعن إبن عبّاس رضي الله عنهما أنّه حضر مع النّبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة ، فسمع النّبي وراءه زجراً شديداً و ضرباً و صوتاً للإبل ، فأشار بسوطه إليهم و قال : (( أيّها الناس عليكم بالسّكينة فإنّ البِرَّ ليس بالإبضاع )) .

الضوضاء إفساداً في الأرض بغير حق

فإذا كان الخالق سبحانه و تعالى قد هيّأ الليل للسّكينة و الهدوء ، فإن خرق هذه السّكينة بالأصوات المزعجة و الآلات التي تنبعث منها تلك الضوضاء يعتبر إفساداً في الأرض بغير حق ، و هو أمر منهي عنه لما يسببه من ضرر أكيد ، فإذا كان الأمر كذلك وجب على الأفراد الإقلاع عن أسباب هذا الضرر ، فإن أبوا وجب تدخّل ولي الأمر “المشرّع” لدرء ذلك الفساد حمايةً للمصلحة العامّة الأولى بالرّعاية ، و تقدير التعزير اللّازم لردع المفسدين[6] .

وكذلك نهى القرءان والسنة عن رفع الصوت وإحداث الضّوضاء لِما لها من ضررٍ على حاسة السمع تلك النعمة التي وجب المحافظة عليها ، قال تعالى : ) واغْضُضْ مٍنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ([7] . فهذا أمرٌ حازمٌ وعامٌ بغضِّ وخفض الصوت . وقال جلَّ شأنه  )يا أيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُم فَوقَ صَوْتِ النَّبي ولاَ تجْهَروا لَهُ بِالقَوْل كجَهْر بَعضكُم لِبَعْضٍ أَن تحبط أَعمالكم وأَنتم لا تَشعرون * إنَّ الّذِينَ يَغُضّون أصواتهم عند رسول الله أولئك الّذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم  *إِنَّ الّذين يُنادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ([8].

وهذا يعتبر نهي صريح عن رفع الصوت في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن مجموع الآيات نستخلص أنّه من آداب الإسلام و واجباته غضّ الصّوت و عدم رفعه أو الجهر به لغير حاجة ، و يجب على المسلم أن يكون خفيض الصوت لا ينطق إلّا حقاً و لا يتلفظ لغواً .

و جاءت السُّنّة النبوية مؤكدة لهذا التّوجيه القرآني في الحث على السّكينة و الهدوء ، و الإبتعاد عن الضجيج و رفع الأصوات ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفرٍ فكنّا إذا علونا كبرنا فقال (( أربعوا أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّاً ولا غئباً ، بل تدعون سميعاً بصيراً قريباً ))[9] ، و حتى في حالة التّعبد يُكره رفع الصوت لما له من تشويش و إيذاء للآخرين ، ففي الحديث عن بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : (( إن المصلي يناجي ربه عز و جل فلينظر بما يناجيه و لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ))

و هكذا نرى أن شريعة الإسلام هي الشريعة الوسط و التي لا تعرف الإفراط و لا التفريط و لا الغلو و لا التقصير ، بل الإلتزام و القصد و الإعتدال في كل الأمور ، و من بينها إحداث الضوضاء التي بدورها تؤدي المسامع و تضرّ بالآخرين .

أنظمة وقوانين دولية ضد الثلوث الصوتي

التلوث الضّوضائي لا يعد مصدراً لتلوث بيئة الهدوء الجوّي فحسب ، بل يعد كذلك من مصادر إضطرابات الحياة في البيئة البريّة حيث يؤثّر على أستقرار الإنسان و الكائنات الحية الأخرى ، التي قد تهجر مواقعها بحثاً عن أماكن أكثر هدوءاً و سكينة ، لذلك تضع الكثير من الدول أنظمة و لوائح بخصوص خفض معدلات الضوضاء ، لاسيما المتأتية من وسائل النقل المختلفة ، العامة و الخاصة ، حيث أن أكثر من ثلاثة أرباع ضوضاء المدن تكون بسبب تلك الوسائل ، و تشمل تلك الأنظمة تحديداً لمقاييس الضوضاء و نِسَبِها المسموح بها في الأماكن السكنية ، و يكون ذلك بوحدة قياس الصوت و المعروفة بـ( الديسبل ) .

كما تتضمن إجراءات أخرى ، و تدابير من شأنها الحد من هذه المشكلة كمنع سير الشاحنات و الدراجات النارية داخل المدن ، و منع أستعمال مكبرات الصوت ، و كذلك آلات التنبيه في السيارات ، و حظر رفع أصوات الأجهزة المنزلية ، و تفرض مختلف الأنظمة و اللوائح عقوبات بدنية و مادية على مخالفة أحكامها[10] .

و أدّى ظهور الطائرات الأسرع من الصوت إلى انبعاث الأصوات و الضوضاء التي تشكل تلوثاً مهدداً بالبيئة حيث ينبعث عن تلك الطائرات موجات صوتية شديدة تصل إلى الأرض و تقع على الأذن في شكل مجموعة من الانفجارات الهائلة كما تسبب العديد من الإضطرابات على سطح الأرض .

و لمواجهة هذا الشكل الجديد من التلوث الصوتي ، أصدرت الكثير من الدول أنظمة و قوانين تحظر طيران هذا النوع من الطائرات من فوق أقليمها .

من تلك الدول نذكر بريطانيا و التي أصدرت قانون الطيران المدني في سنة 1968م متضمناً الفصل 61 قسم 19 بعنوان ” رقابة ضوضاء الطائرات و الطائرات الأسرع من الصوت ” ، و كذلك أصدرت سويسرا قانوناً مماثلاً في 17/12/1971م و السويد قانون 19 مايو 1972م ، و الدنمارك قانون أول يوليو 1972م ، و الولايات المتحدة أصدرت تعليمات بهذا الخصوص في 27 مارس 1973م من قبل الهيئة الفيدرالية للطيران[11] .

و في مصر أصدر المشرع العديد من التشريعات الخاصة بحماية البيئة من التلوث السمعي متضمناً صوراً لهذه الإعتداءات و العقوبات المقررة لها ، و لأن للبيئة عناصر متعددة فقد دخلت في اختصاص العديد من الجهات ، فمثلاً نجد أن التلوث الضوضائي يدخل في اختصاص جهات إدارية عديدة و التي بدورها تبدأ في إصدار قوانين و لوائح تكون أحياناً متعارضة مع بعضها البعض بصورة يترتب عليها في النهاية عدم توافر الحماية الجنائية لهذا الجانب أو ذاك من جوانب البيئة .

عقوبة على استعمال مكبرات الصوت بدون ترخيص

فنجد كلاً من قانون تنظيم أستعمال مكبرات الصوت ( م1 ) و قانون الباعة المتجولين ( م5/هـ ) و اللّائحة التنفيذية لقانون المرور ( م15/22 ) ، و قانون البيئة ( 871/1 ) ، تعاقب على استعمال مكبرات الصوت بدون ترخيص ، أو نتيجة لتجاوز الحدود المسموح بها لشدة الصوت ، و لكن نجد أن هذه العقوبات الواردة في مجموعة القوانين جاءت متفاوتة فيما بينها ، كما أنها جاءت متناثرة و غير متناسقة[12] .

ثم جاء القتنون رقم 4 لسنة 1994م بشأن البيئة ، و الذي يعتبر خاتمة مجهودات المشرع المصري فيما يتعلق بحماية البيئة بعناصرها المختلفة ، و فيما يتعلق بالتلوث السمعي تنص المادة 42 منه على أنه :

(( تلتزم جميع الجهات و الأفراد عند مباشرة الأنشطة الإنتاجية و الخدمية أو غيرها و خاصة عند تشغيل الآلات و المعدات و استخدام آلات التنبيه و مكبرات الصوت بعدم تجاوز الحدود المسموح بها لشدة الصوت )) .

(( و على الجهات المانحة للترخيص مراعاة أن يكون مجموع الأصوات المنبعثة من المصادر الثابتة في منطقة واحدة في نطاق الحدود المسموح بها ، و التأكد من إلزام المنشأة باختيار الآلات و المعدات المناسبة لضمان ذلك )) .

(( و تبين اللّائحة التنفيذية لهذا القانون الحدود المسموح بها لشدة الصوت و مدة الفترة الزمنية للتّعرّض له ))[13] .

القانون الليبي لا يسن قوانين واضحة بالخصوص !!

و في حين نجح المشرع المصري في تضمين هذه الجريمة لنصوص قانون البيئة ، نجد المشرع اللّيبي لم يأخذ هذا المسلك

حيث جاءت نصوص قانون البيئة اللّيبي رقم 15 لسنة 2003 خالية من أي نص  يحكم هذه الجريمة ، التي ما تزال أحكامها متناثرة في عدة قوانين ، و أورد المشرع الضوضاء و الضجيج فقط في تعريفه للتلوث فقرة 3 من المادة الأولى في القانون رقم15 المذكور آنفاً ، أمّا باقي النصوص المتناثرة فهي :

ــ المادة 471 من قانون العقوبات الليبي ، و عنوانها مضايقة الناس بالضجيج وإقلاق راحتهم ، و التي جاءت في باب الجنح الأخرى والمخالفات المتعلقة بالنظام العام .

ــ المادة  483 من قانون العقوبات العام .

ــ المادة 501 من قانون العقوبات الليبي .

ــ الفقرة 2 من المادة 57 من القانون رقم 11 لسنة 1984 بشأن المرور على الطرقات العامة ،

أركان جريمة التلوث الصوتي و تقييم عقوباتها .

أولاً : أركان جريمة التلوث الصوتي :

تُعَرّف الجريمة بأنها عدوان على مصلحة يحميها القانون ، و يختص القانون الجنائي بالنص عليها و بيان أركانها و العقوبة المقدرة لفاعلها .و تعتبر جريمة التلوث الصوتي عدوان على مصالح صحية و اجتماعية و تعليمية و اقتصادية هامة و جديرة بالحماية القانونية ، و بناءً على هذا التعريف فإن جريمة التلوث السمعي تقوم على ركنين هما الركن المادي و الركن المعنوي[1] .

الركن المادي : و يراد به ذلك النشاط الخارجي الذي ينصّ المشرع على تجريمه ، إذ بغير ماديات لا يصيب الحقوق الجديرة بالحماية أي عدوان ، كما أن قيام الجريمة على ركن مادي يجعل إقامة الدليل عليها سهلاً .

و قد أورد المشرع الليبي النصوص المتعلقة بهذه الجريمة في المواد الآتية :

1 – المادة 471 من قانون العقوبات الليبي ، و عنوانها مضايقة الناس بالضجيج و إقلاق راحتهم و تنص على ( كل من حصل منه لغط أو ضجيج و أساء استعمال أية وسيلة من وسائل نقل الصوت أو تكبيره أو حرّض الحيوانات على إحداث ضجيج و كان من شأن ذلك مضايقة الناس في أعمالهم أو إقلاق راحتهم أو التشويش على الحفلات أو المحلات العامة أو منشآت الترفيه يعاقب بالحبس لمدّة لا تتجاوز الشهر أو بغرامة لا تزيد عن عشرة جنيهات .

و تطبق العقوبة ذاتها على كل من أعلن بالصياح على أخبار من شأنها إقلاق الراحة العامة أو الخاصة و أقترن الإعلان أو الصياح بترويج أو توزيع محررات أو رسوم في محل عام أو مفتوح أو معروض للجمهور) .

2 – المادة 483 من قانون العقوبات الليبي ، الألعاب النارية ، و تنص على : (كل من أطلق عيارات نارية أو أشعل ألعاباً نارية أو ألقى صواريخ أو أحدث لهيباً أو انفجارات في حي مأهول أو في أماكن مجاورة له أو في طريق عام أو في اتجاهها دون ترخيص من السلطات يعاقب بغرامة لا تتجاوز عشرة جنيهات .

و إذا ارتكب الفعل في مجتمع أو محفل كانت العقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على شهر) .

3 – المادة 501 ، من قانون العقوبات الليبي ، (الأفعال المنافية للحياء و الكلام الفاحش) و التي تنص على :

( و تكون العقوبة غرامة لا  تجاوز خمسة جنيهات على كل من فاه بكلام منافٍ للحياء في محل عام أو مفتوح للجمهور) .

4 – المادة 57 من القانون رقم 11 لسنة 1984 بشأن المرور على الطرق العامة ، حيث تنص الفقرة الثّانية من المادة المذكورة على :

ب – يعقب بغرامة لا تجاوز عشرين ديناراً :

2 – كل من استعمل بالمركبة منبهات صوتية مزعجة أو غير مألوفة و كل ما من شأنه أن يسبب الإزعاج أو الضوضاء و ذلك باستثناء مركبات القوات المسلّحة و الإسعاف و المطافئ و الشّرطة.

و على شرطة المرور حجز ترخيص القيادة و ترخيص المركبة  إلى حين إزالة سبب المخالفة)[2].

و كما يبدو لنا من استقراء النصوص السابقة لا يكون الركن المادي لهذه الجريمة إلّا في صورته الإيجابية من إصدار الأصوات المزعجة و الضجيج أو إساءة استعمال وسائل نقل الصوت و تكبيره أو تحريض الحيوانات على إحداث الضجيج أو التّشويش على الحفلات أو المحلات العامة أو الإعلان بالصياح عن أخبار من شأنها إقلاق الرّاحة العامة (م. 471 عقوبات ليبي) .

كذلك يقوم الركن المادي لهذه الجريمة بإطلاق العيارات النارية أو إطلاق الصواريخ أو إحداث انفجارات (م. 481 عقوبات ليبي) .

كما يكون باستعمال منبهات صوتية مزعجة أو غير مألوفة بالمركبة (م. 57 قانون المرور) و قد تكون هذه الجريمة من جرائم السلوك المجرد أي لا تتوقف قيامها على إحداث نتيجة كما في المادة 483 عقوبات ليبي، حيث يكفي في هذا النص لقيام الجريمة القيام بإطلاق عيارات ناريّة أو إلقاء صواريخ أو إحداث انفجارات

صور أخرى لجريمة التلوث السمعي

و قد يتطلب في صورة أخرى لجريمة  التلوث السمعي قيام الجريمة حصول نتيجة و هي مضايقة الناس في أعمالهم أو إقلاق راحتهم أو التشويش على الحفلات أو المحلات العامة أو منشآت الترفيهية (م. 471 عقوبات ليبي) .

و كذلك من النتائج المتطلب حصولها لقيام الجريمة الإزعاج الذي تسببه المنبهات الصوتية للمركبات (م. 57 ق.المرور) , و قد أورد نص هذه المادة استثناءً نستطيع اعتباره سبباً للإباحة ، و هو استثناء مركبات القوات المسلحة و الإسعاف و المطافئ و الشرطة ، و لعله من نافلة القول أن هذا الاستثناء جاء نتيجة لطبيعة عمل هذه الأجهزة و التي يتطلب قيامها بالعمل أحياناً استعمال تلك المنبهات ذات الأصوات العالية .

الركن المعنوي : جريمة التلوث السمعي “إحداث الضوضاء” هي جريمة عمديّة ، لأن الأصل في التجريم  مرتبط بالإرادة العمدية أي القصد الجنائي و بناءً عليه فهي تتطلب وجود القصد الجنائي العام بعنصرية العلم و الإرادة ، العلم بكافة أركان الجريمة و هو بالطبع علم مفترض إذا طبقنا قاعدة أن لا يعذر الجهل بالقانون الجنائي تبريراً للفعل[3] .

و كذلك اتجاه إرادة الجاني لأرتكاب الفعل حتى لو لم يكن في نيته الإضرار و يكون ذلك على أساس “المسؤولية المادية” ، على أنه قد يتطلب قيام الجريمة قصداً جنائيّاً خاصاً كالذي أوردته المادة 471 ع.ل . و هو أن يكون صياحه لترويج أو توزيع محررات أو رسوم في محل عام أو مفتوح أو معروض للجمهور

و عليه و بحسب القاعدة العامة يجب أن يتوافر لدى الفاعل العلم بعناصر الجريمة بما فيها الظروف الموجبة للتشديد ، و كذلك اتجاه إرادته إلى ارتكاب الفعل المعاقب عليه .

ثانياً / عقوبة جريمة الثلوث الصوتي وتقييمها:-

 من خلال النصوص القانونية السابقة نستطيع القول ان المشرع الليبي قد اقر عقوبتين اصليتين لجريمة الثلوث السمعي وهما الحبس و الغرامة ، و اورد عقوبةً تكميلية تتمثل في حجز ترخيص القيادة و ترخيص المركبة ، ومعلوم ان الاحتفاظ بالعقوبة التقليدية كالحبس من شأنه ابراز مدى اللاأخلاقية التي تنطوي عليها هذه الجريمة ، والتي يصيب فيها الانسان ضررٌ مادي او معنوي ، كما توفر الجانب الردعي في العقاب اللازم لمواجهة هذه الجريمة .

اما العقوبة التكميلية فمن شأنها حث المخالف على التقيد بالنظم المعمول بها في هذا المجال ، واجباره على مراعاة الاحكام الخاصة بحماية البيئة السمعية ومنع تلوثها .

وكما سبق ذكره تأخد العقوبات المقرره لجريمة التلوث الصوتي إما صورة العقوبات السالبة للحرية وإما صورة العقوبات المالية ، وبإستقراء النصوص القانونية في هذا الصدد نجد أن هذه العقوبات ــ وإن كانت ذات فاعلية حين سنّ المشرع هذه القوانين ــ [4] ، فإنها لا تتناسب مع ما شهده الجتمع من تطور وإرتفاع في مستوى دخل الفرد .

فالعقوبة التي نص عليها القانون في المادة 471 هي الحبس التي لا تزيد مدته عن شهر ، او بغرامة لا تزيد على عشرة جنيهات ، فإذا اخدنا في الاعتبار ان العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة غير فاعلة من نواح عديدة ، فهي لا تنطوي على ردع عام او خاص ، ناهيك عن السلبيات التي قد يخرج بها المحكوم عليه بعد قضاء هذه المدة ، فإن معظم القضاة يلجاؤن الى استبدالها بعقوبة الغرامة لوجود التخيير بين العقوبتين ، وبذالك تنتهي هذه الجريمة بالحكم بعقوبة لا نرى انها كافية للردع ، الامر الذي يتطلب إعادة النظر في هذه المسألة من جانب المشرع .

ومن جهة اخرى يرى بعض الفقه ان استهتار بعض واضغي التشريعات بأهمية البيئة ومخاطر التلوث بمختلف انواعه لا سيما التلوث السمعي يدفعهم احيانا الى سن تشريعات هزيلة غير محكمة الصياغة ، عبارتها فضفاضة ، وتحتوي من الثغرات ما يكفي للحيولة دون تطبيقها ، ناهيك عن ضعف العقوبات المقررة لهذه الجرائم ، فهي من البساطة لدرجة ينعدم فيها اي اثر للردع ، وهذا الامر يرجع الى ان مفهوم حماية البيئة السمعية لم يستقر بعد في ضمير المجتمع .[5]

الخــــــــــاتمة

نخلص من هذه الدراسة الى القول بأن موضوع التلوث السمعي غاية في الاهمية ، لا سيما بعد التطورات الحضارية الهائلة والمتلاحقة والمستمرة من خلال افتتاح المزيد من المصانع و الورش والمطارات والمصادر الاخرى المختلفة للضوضاء .

وقد لاحظنا ان المشرع الليبي لم يأخد هذه التطورات بعين الاعتبار عند سَنّهِ للنصوص القانونية المتعلقة بتجريم التلوث الصوتي ، فالمصانع والورش مثلاً تسبب نوعين من الضرر اولهما ضررٌ مباشر ويقع على الموظفين والعاملين بهذه المصانع والورش ، ويقع الضرر التاني وغير المباشر على من يعيشون بالقرب منها .

وكذلك وسائل النقل المختلفة فإن المشرع وإن اخذ في اعتباره اصوات منبهات السيارات الاّ انه اهمل اصوات الطائرات والاصوات المزعجة للدراجات النارية وسيارات الشحن .

و فيما يخص العقوبات المقررة ، لم يتناول المشرع عقوبات اخرى قد تكون اكتر فاعلية مثل المصادر او التعويض المدني ولا على التدابير الاحترازية مثل غلق المنشأة .

ــ و عليه نرى :-

انه لمكافحة هذه الجريمة [ التلوث السمعي ] او للحد منها يجب اتباع سياسة جنائية ناجعة تهدف الى القضاء على الضوضاء في مصدرها او اثناء مسارها او عند استقبالها ، وذالك على النحو الاتي :-

1- القضاء على الضوضاء في مصدرها :- ويكون ذلك بفرض تنظيم استعمال مكبرات الصوت والالات ذات الضجيج وحظر إقامة المحلات المقلقة للراحة والمطارات بالقرب من الاماكن السكنية .

2- الحد من الضوضاء اثناء مسارها :- عن طريق الزام الجهات المعنية بزيادة المسافة بين نقطتي الارسال والاستقبال ، مثل تحويل المرور الى شوارع بعيدة عن التجمعات السكنية ، وإقامة بعض حواجز المرور لحماية المستشفيات والمدارس من الضوضاء .

3- الحد من الضوضاء عند استقبالها :- ويكون بإلزام الجهات ذات العلاقة بإستخدام وسائل عزل الصوت المختلفة من جدران عازلة وغيرها ، وذالك بإصدار تشريعات بهذا الخصوص ، وكذالك بإلزام ارباب العمل بتوفير سدادات الاذنين للعمالة التي يتطلب وجودها بالقرب من مصادر الضوضاء .

قائمة المراجع

1- احمد عبد الكريم سلامة ، قانون حماية البيئة دراسة تأصيلية في الانظمة الوطنية والاتفاقية ، النشر العلمي والمطابع جامعة الملك سعود

2- احمد عبد الكريم سلامة ، قانون حماية البيئة الاسلامي مقارناً بالقوانين الوضعية ، الطبعة الاولى ، القاهرة 1996م .

3- جميل عبد الباقي الصغير ، الحماية الجنائية للبيئة ضد التلوث السمعي ، دراسة مقارنة بالتشريع الفرنسي ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1998م .

4- ماجد راغب الحلو ، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة ، دار المطبوعات الجامعية 1995م .

5- فائزة الباشا ، محاضرات الجريمة البيئية لطلبة الدراسات العليا ، العام الدراسي 2013 ــ 2014 .

6- موسوعة القوانين الجنائية والقوانين المكملة لها .

[4] صدد قانون العقوبات الليبي عام 1953 ونشر في الجريدة الرسمية في عدد خاص لسنة 1954م وكان حينها دخل الفرد متدني جداً ، الامر الذي يجعل من الغرامات المقررة كعقوبة ذات تأثير على المحكوم عليه بها .

[5] د- فائزة الباشا ، مرجع سابق ص42.

دراسة / عمر عبد الدائم

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :