وداعا .. محمد

وداعا .. محمد

  • عابد الفيتوري

ومضات من ذكر رفيق الدرب .. الصديق الاستاذ الدكتور محمد سعيد .. محطات لا حصر لها .. قد اعود لها بين الحين والاخر .. هنا اذكر اخر لقاء جمعنا بمنزله .. مدينة سبها .. وحواديث على هامش وجبة الغذاء .. كان قبلها قد اطلعني على كتابه ” امحمد قنانه حياته وشعره ” .. كان عملا رائعا استلزم منه السفر الى واحة الزيغن مرات ومرات .. واقتفاء الرواية الشفهية من الاحفاد واهل القرية .. ولكون امحمد قنانه احد اجدادي .. ولم نلتقي عندما كان يعد للكتاب .. واعتماد الرواية الشفهية احد المصادر لمادة الكتاب .. اضفت بعض التعليقات وقد سره ذلك .. ووعدني بإدراجها في الطبعة الثانية للكتاب .. وان كانت محدودة .. وخلاف ذلك تناول الحديث العبارة الدليقة في رويات الكوني ، وعبدالرحمان منيف .. حين ذكرته بالعبارة : ” ان الرصاص الذي يتطاير امام عينيك يستهدف راسك .. اخفض رأسك اذا كنت ترغب الاستمرار في الحياة ” .. قال حينها : اواااه .. كم من العبارات التي لا حصر لها نستطعم عذوبتها ونضعها جانبا . محطات جمة ولقاءات تعبق بفوائح الادب وزمان الوصل بالأندلس .. من قاهرة المعز الى رباط الفتح .. احمل رسالتي اليه ملخص رؤوس اقلام لرسالة دكتوراه بجامعة عين شمس تتناول الادب الاندلسي عصر سيادة قرطبة .. القرن الخامس .. كان قد طلب مني ذلك .. اثناء اعداده لموضوعه للإجازة الدقيقة بجامعة محمد الخامس . في كتابه ( ذاكرة قرية ) .. عبق المكان الذي جمعنا .. صحراء فزان وطيب اهلها .. دراسة في المأثور الشعبي .صدرت في جزأين .. جمعت موضوعات متنوعة شملت الحكاية الشعبية ، الاغانى ، الأمثال ، التعابير الشعبية . أما القرية فهي ( قرية محروقة القديمة ) إحدى قرى الجنوب الليبي والتي شهدت مسقط رأسه وطفولته . حول دواعي الاهتمام بالموضوع . يقول : ” ما دعاني إلى نبش هذه الذاكرة هو التغير الذي طرا على شتى أنواع الحياة . وأصبح الماضي يتلاشى شيئا فشيئا أمام عيني … إن ذلك التراث الغزير كان في يوم من الأيام وعلى مدى سنوات طويلة يعبر عن الواقع الذي يعيشه الناس ، وكان وسيلة ثقافية وتربوية وترفيهية ، وكان الناس يحفظونه لأنه كان تراثا شفويا ، وقد أدى دوره في تعليم الناس القيم والمثل العليا وترفيههم وتربية الأجيال في وقت كان الاستعمار قد جثم على بلادنا وحرمها من التعليم المنظم ابتداء من عهد الأتراك مرورا بالايطاليين والفرنسيين والانجليز والأمريكيين . فكانوا يجدون في هذا التراث ما يعبر عن أفراحهم وأتراحهم وآمالهم وطموحاتهم ويعايش حياتهم اليومية بكل اتجاهاتها الحزينة والسعيدة . لأجل هذا التراث الذي بدأ يتلاشى .. حاولت أن انبش ذاكرة قريتي وانقد ما يمكن إنقاده من تراثها الذي يغتاله الزمن ويضيع منه الكثير لأنه تراث شفوي غير مدون ولم يقم احد من قبل بجمعه ، وطرحه أمام الباحثين والنقاد ليعود لتأدية دوره بصورة معاصرة يتفاعل مع الحاضر والمستقبل بصورة تناسب العصر رحل محمد .. ويتعذر قنص الاحرف والعبارات التي تليق بذكره .. طيب القلب .. جاد دائما .. البسمة لا تفارق محياه .. رفيق غرارة الصبا والفتوة .. وكم هي المحطات التي لا تعد ولا تحصى .. لابد لي ان ادون خطاطة بين الحين والاخر .. لذكرى عزيز رحل .. ودمعة تلقفها ثرى ارض يباب .. رحمك الله صديقي واخي محمد .. وداعا . الحزن يطفو على السطح .. دوامات عاصفة شاحبة من الكآبة تحملني .. من كان يظن أن الحزن يمكن أن يكون مثخما ؟ .. أنا متعب .. جلست طوال اليوم مع الاصدقاء .. اريد ان انسى .. محاولة بائسة لممارسة الصبر .. الحزن لا يزال عالقًا .. اوااه .. رحل .. اشعر بالارهاق .. يا لوقري الثقيل وكربتي المضنية .. وداعا محمد بقلوب ملؤها الاسى والحزن .. نعزي انفسنا وأهلنا وزملائنا وجامعة سبها ..وفاة الصديق ..ورفيق الدرب الطويل .. رحل .. بعد رحلة عمر جمعتنا .. وكم من حواديث ولقاءات وسفريات .. الثانوية العامة .. وفي ذات الحجرة .. نستيقظ سويا .. ونذاكر سويا .. ونذهب الى المدرسة ونعود سويا .. الى كلية التربية .. ولقاء يومي .. بل وطوال اليوم لا يغيب احدنا عن الاخر .. ولا نكتفي بلقاء واحد .. ولا تحلو البسمة بغير وجوده .. الى الدراسات العليا .. ويا للمفارقة .. اختار دراسة ” رسالة التوابع والزوابع ” لابن شهيد الاندلسي .. واخترت دراسة ” كتاب التقريب لحد المنطق ” لابن حزم الاندلسي .. قال لي يومها .. حتى وأنت في قسم اخر .. جمعنا اصدقاء الامس .. اعلام قرطبة مثابة الاثار العربية .. والدولة العامرية .. والزاهرة والزهراء .. لقد اشاد ابن حزم ببلاغة ابن شهيد .. ولعل اقل ما يقال في حق محمد سعيد وما تركه لنا من عديد المؤلفات في الادب الاندلسي .. والمأثور والتراث .. قد لا يفي حقه .. زاد خصب .. سلاسة الاسلوب .. رصانة الكلمة .. موضوعية البحث .. عمق المعاني والدلالات .. وجهد قيم ثمين .. زخم لا ينضب .. رحمك الله يا صديقي .. انا حزين حقا لأجل رحيلك .. لا احدا اولى بالعزاء فيك مني .. كل الدعاء لك بالمغفرة .. والرحمة .. انا لله وانا اليه راجعون .. وداعا محمد .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :