ورقتان من وحي غزة

ورقتان من وحي غزة

موسى الأشخم

الورقة الأولى:

الغرب ووحش طيبة

  وظف الكاتب المسرحي المصري علي سالم اسطورة أوديب توظيفاً مغايراً ومبدعاً في نص مسرحي له بعنوان “أنت اللي قتلت الوحش” بحيث جعل المنقذ لطيبة يتحول إلى وحش جديد يسوم أهل طيبة العذاب وإذا ما لأمه أحد ذكره بفضله على أهل طيبة قائلاً: أنا الذي قتلت الوحش، وهذا بالضبط ما يفعله الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إذ يستثمر أو يوظف الغرب انتصاره المشترك مع الاتحاد السوفيتي على النازية ليبرر لنفسه تحوله إلى نازية جديدة بقناع ديمقراطي، فالغرب وحده المتفوق والمبدع ووحده العالم الحر والمستحق للحرية وللتمتع بحقوق الإنسان، فالبلدان الغربية وحدها لا يجوز غزوها أما غيرها من البلدان فغزوها يُعد تخليصاً للعالم من شرورها وشرور شعبها المارق، والأمم الغربية وحدها لها الحق في التحرك خارج حدودها وممارسة الأدوار الإقليمية والدولية، بينما يفرض  الغرب كافة أنواع العقوبات ويهدد بالغزو كافة الأمم غير الغربية إذا ما مارست دورأ اقليمياً أو دولياً. وبلغة صمؤيل هنتنجتون فإن الأمم الغربية وحدها لها الحق في صناعة التاريخ أما غيرها من الأمم فهي مجرد مواد وأدوات في أيدي صنّاع التاريخ الغربيين. وأي ضحية مدنية غربية تجعل الغرب يقيم الدنيا ولا يقعدها ويحول الغرب بموجبها العالم إلى طائرة مخطوفة، أما حين يموت مليون ضحية مدنية من أمة أخرى فلا يسمح الغرب حتى بالبكاء على الضحايا ويعتبر المتباكين مناصرين للإرهاب بل ودواعش!

  وضمن هذا الإطار تفاخر الغرب بإنقاذ اليهود من محرقة النازية الهولوكوست ، ثم صنعوا للفلسطينيين محرقة لا تنطفي نيرانها لما يقرب من قرن وكلما حاول الفلسطينيون قتل بضعة من جلاديهم الصهاينة أقام الغربيون الدنيا ولم يقعدوها واعتبروا القتلة إرهابيين ودواعش! وحين يقوم الإسرائيليون بحرق عشرة آلاف فلسطيني في غزة أو دفنهم أحياء تحت الأنقاض لا يتأثر الغرب لذلك بل ويعاقب كل من يعبر عن حزنه لقتلهم، أما حين يقتل فلسطيني يهودي أو أمريكي واحد ساهم في قتل كل أهله وأحبائه وجيرانه وأهل مدينته وأهل المدن المجاورة لمدينته فإن العالم يتحول إلى طائرة مخطوفة وتتحرك حاملات الطائرات ويقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وربما مئات الآلاف قصاصا لموت رجل أبيض أو حليف يهودي له يحظى برعايته. وحين يعترض معترض يذكرنا الغرب بأنه هو من قتل الوحش.

  وصنع الغرب للعرب وحش اسمه داعش فقتل من العرب أضعاف ما قتله الصهاينة ثم أدعى هذا الغرب أنه من قتل الوحش الذي صنعه، وما أن يسلك العرب سلوكا مستقلا عن الغرب حتى يعيد الغرب الحياة لجثمان داعش ليدفعه إلى مدن العرب فيعيث فيهم فساداً وتخريباً و تقتيلاً ليدخل العرب بيت الطاعة الغربي.

  فمتى يأتي اليوم الذي يتحرر فيه العالم من هؤلاء الذين ساهموا في قتل الوحش ثم فاقوه وحشية ونازية وفاشية وعنصرية؟

الورقة الثانية:

الحكام العرب ومن يقدر ايقول الناقة:

يحكى أن والياً عثمانياً مستبداً أهديت إليه ناقة فاطلقها تفسد الحرث والزرع في مزارع الولاية؛ فاجتمع أعيان ووجهاء الولاية وتناقشوا في الأمر، وقرروا إبلاغ الوالي عن تضرر مزروعاتهم من ناقته، وقرروا ان يصوغوا الشكوى على النحو التالي: الناقة سيدي الوالي أهلكت الحرث والزرع، ونرجو من حضرتكم كف ضررها عن مزارع الأهالي بالولاية، ولكنهم خافوا بطشه بهم ، فقرروا تقاسم العبارة وإن يقول كل واحد منهم كلمة منها حتى لا يبطش بواحد منهم فقط، ظانين بانه قد يصعب على الوالي أن يعاقبهم جميعاً. غير أنهم لم يجدوا من يقبل أن يتحدث أولاً، حيث ثمة خشية ألا يتم الآخرون العبارة، عندما يتلقون ردة فعل قاسية من الوالي فصاروا يرددون: من يقدر يقول الناقة؟ باعتبار الناقة هي المفردة الأولى، وبادر اشجعهم بالموافقة على أن يقول الناقة. فطلبوا مقابلة الوالي الذي إذن لهم بالدخول عليه، غير أنه ما أن بادر المتحدث الأول بالقول الناقة حتى رد الوالي بقسوة وحزم: خيرها الناقة، فامتنع الثاني عن الحديث وصمت الجميع؛ فقال الأول الناقة سيدي الوالي تحتاج إلى جمل يؤنس وحشتها، ويخصبها كي تنجب لنا قطيعا من البعران وتزدان مزارع الولاية بمنظر قطيع الوالي البهي.

وهذ بالضبط ما يفعله الحكام العرب عند مقابلتهم لبايدن أو وزير خارجيته منذ بدء دفن أهل غزة أحياء تحت الانقاض، يعدون عبارات الشكوى والإدانة لافعال إسرائيل الاجرامية ثم حين يواجهونهما ويتلقون نظرة قاسية منهما يقولون لهما بأنه إذا اساء الفلسطينيون للناقة الإسرائيلية البهية فإن التخلص من الشعب الفلسطيني يصبح واجباً انسانياً.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :