يواجه الشاب مشكلة فهم ذاته وقبولها والتعامل مع الآخرين والواقع بصورة صحية

يواجه الشاب مشكلة فهم ذاته وقبولها والتعامل مع الآخرين والواقع بصورة صحية

فترة الشباب.. إشكاليات المرحلة وأساليب التعامل معها

الباحث الاجتماعي ، والخبير بقضايا الشباب د/ بدر صالح محمد الأنصاري  لـــ “فسانيا”

  • المراهقة أزمة مؤقتة داخل الأسرة والمجتمع تستدعي الاهتمام خشية الانزلاق
  • مطلوب العمل في جبهتين : الواقع والإنسان وجهد الحكومة في تعديل أي منهما.

حوار وتصوير / عبدالحميد الانصاري خاص – فسانيا

مما لاشك فيه أن “مرحلة الشباب” حساسة وبالغة الخطورة، تحتاج إلى جهد أسري ومجتمعي معاً خاصة اذا كان الشاب على أعتاب الدخول في مرحلة المراهقة، وذلك خشية انحراف سلوكه وتوجه نحو تعاطي العقاقير النشطة والمخدرات التي تذهب وعيه وعقله وتدفعه نحو الاعراض عن القيام بدوره الحقيقي في المجتمع في ظل أزمة البطالة المنتشرة في كل ربوع ليبيا  لتصبح أزمة أخلاق حقيقية تلقي بظلالها على جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع .

وللحديث بشيء من التفصيل والاستدلال عن هذا الموضوع التقت (فسانيا) الباحث الاجتماعي ، والخبير بقضايا الشباب د/ بدر صالح محمد الأنصاري وكان هذا الحوار.

  • فسانيا : ما هي ارهاصات دخول الشاب في مرحلة المراهقة ؟ والطريقة التي يجب أن يتعامل المجتمع على اساسها معه؟

اولاً دعني احيك والصحيفة التي تمثلها على هذه الجهود الحثيثة والمشكورة حقيقة من صحيفتكم ، لتغطية هموم المنطقة ، رغم التكتم الإعلامي المقصود والممنهج.

تكمن أزمة التعامل مع المجتمع ومطالبه الأساسية في مرحلة الشباب في أمرين: – المشكلات التي يواجهها الشاب في فهم ذاته وقبولها والتعامل مع الآخرين والواقع بصورة صحية، الأمر الثاني، المشكلات التي تنطوي عليها تصرفات الشاب لأهله والمقربين واﻟﻤﺠتمع عامة.

ويُعقد تعامل الشباب مع الكبار بعض التصرفات غير المسؤولة من جانب الشباب وعدم اعتبار الآخرين واستعمال أسلوب في الحديث يصل إلى درجة الوقاحة أحياناً ولهجة لم يعتادها الكبار منهم.

وتحمل مرحلة المراهقة والشباب مجموعة من المتناقضات: فالفرد أكثر ما يكون قادر على العمل وبذل الجهد ولكنه لا يقوم بدور الكبار ولا أية أدوار أخرى فيها انتاج وهو في قمة التركيز على ذاته والانشغال في مشاكله الخاصة وله طاقة هائلة على العمل العام والبذل والى جانب مشاعر الاهتمام والحب الجارفة التي يبديها يتبنى مواقف لا مبالاة محيرة في بعض الأمور.

فسانيا : ما هي المشكلات التي يواجهها الشباب في الجنوب ؟

تفاقم أزمة البطالة الموجودة أصلاً وكذلك عدم فهمهم لما يجري حولهم، ونقص الخبرة لديهم في التعامل مع أغلب المشاكل التي تواجههم.

85 % من الليبيين شباب تتفاوت اعمارهم مابين 25 و 35 تحت مستوى خط الفقر ووضع الشباب في الجنوب خصوصا كارثي زد على ذلك عدم كفاية ما يوفره اﻟﻤﺠتمع لهم من فرص الحياة.

  • فسانيا : لماذا لا تكون دراسات للباحثين والكتاب حول طبيعة الشباب الليبي وكيفية اخراجه من الواقع الوهمي الذي يعيش فيه؟

الكثير من المفكرين والمسؤولين عن قطاع الشباب سرعان ما ينقلون مايشاهدونه في المجتمعات المتقدمة ويحاولون استنساخها على شبابنا دون أن يقوموا بدراسة علمية (للشباب الليبي وميوله).

فبعض تلك التحليلات استندت إلى انطباعات شخصية تداخلت فيها اعتبارات أخلاقية وأفكار مسبقة جامدة مستمده مما تنشره وسائل الإعلام التي نادراً ما تراعى الدقة والموضوعية والتي لا تتردد في استعمال أسلوب الإثارة أحياناً.

أما الدراسات التي لم تتسلم لتبسيط وسائل الإعلام واتجهت إلى التحليل الموضوعي فقد وقع بعضها فريسة لتفسيرات متحيزة تعمدت بعض وسائل الإعلام الأجنبية نشرها بهدف التأثير المقصود في دراسة موضوع الشباب وفهمه في ليبيا وفي دول العالم الثالث.

والبحوث التي تفادت هذا الفخ الأخير بإهمال التراث العالمي في الموضوع وهو بالغ الثراء اكتفت بتحليل سطحي للمشكلة اقتصر على وصف بعض جوانبها فجاءت نتائجها قاصرة لا تضيف إلى ما يعرفه الشخص العادي عنها الشيء الكثير وانحصر معظمها في العلاقة بين الوالدين والأبناء “صورها اﻟﻤﺨتلفة أو الآثار التي تترتب عليها في اتجاهات الأبناء وتصرفاتهم أو على مواقف الشباب من بعض القضايا ومن جوانب القصور في كثير من الدراسات النفسية من هذا النوع سواء المتقدمة منها و المتأخرة أنها اعتمدت على الخبرة الإكلينيكية من جماعات الشباب غير السوي كمصدر للمعلومات.

ولم تتردد في تعميم قسمات مثل هذه الجماعات-التي يشيع فيها عدم التكيف وتظهر فيها بوادر الانحراف على جيل الشباب كله على الرغم من انه من الصعب قبول فكرة تمثيل جماعات الأقران ا لمنحرفة له.

أما الدراسات التي تناولت الموضوع بنظرة ارحب وتتبعته في عدة مجالات فقد جاء معظمها مجرد قوائم للمشكلات خاليا من التحليل المتعمق. وسواء بالنسبة للدراسات من النوع الأول إلى النوع الأخر جاءت كلها جزراً منعزلة لا تربط بينها أرض واحدة، السابق منها للاحق ولا ينطلق الحديث فيها من النقطة التي انتهى عنده.

  • فسانيا : كيف يتم معرفة الفرق بين المرحلتين ؟ وتأثير هما على مستقبل الشاب؟

في اﻟﻤﺠتمعات البدائية كمجتمعاتنا في الجنوب في اوباري ، و غات ، وسبها و مرزق وغيرها من مناطق جنوبنا ، وفي بعض اﻟﻤﺠتمعات الزراعية البسيطة حتى في الشمال يتم الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد من خلال بعض الخطوات التي سنذكرها وهي :تخلى الأشخاص عن ملامح الطفولة واكتسابهم خصائص الراشدين وتتضمن هذه الطقوس الختان والوشم وغيرهما كشارات تحول.الفصل بين الجنسين أو إعادة تشكيل العلاقات بينهما.المعارضة التامة بين مراحل العمر اﻟﻤﺨتلفة من خلال عمليات طقوسية مثل الحب والصيد وما إليهما.

–ائتمان الشخص على التقاليد والأعراف القبلية وحصيلة تجارب الجماعة في الحياة كالصيد والحرب والحب وغيرها. تخفيف الضغوط الاجتماعية الخارجية على الشخص.الاعتماد أكثر فأكثر على الضبط الداخلي.

وتتضمن طقوس البلوغ الأستهزاء من تصرفات الطفولة وامتحان الفتى معنويأ ومادياً وتعريضه لبعض التجارب القاسية كتعذيبه بشد شعر الرأس واقتلاعه أو الضرب فوق الرأس أو إحداث جروح في الجسم و ما إلى ذلك.

ولكي يجتاز الفتى ذلك عليه أن يتحمل هذا بدون التعبير الواضح عن الألم أو الانهيار ، و إذا لم يستطع ذلك فانه يحرم من الحقوق والامتيازات التي تمنح للبالغ.

وواضح أن طقوس البلوغ ليست عبثا قد تتسم بالنسبة للفتى بالخشونة أحياناً وتتضمن ألوناً من التعذيب البدني والنفسي. لكنها على عكس ما يتصور الملاحظ غير المدقق فهي ذات مغزى كبير في حياة الفرد والجماعة.

ونقصد بها هنا أمور هــــــــــامة منها على سبيل المثال : – اختبار قدرة الفرد على تخطي مرحلة الطفولة ومن ثم فهي تسمح بتفادي الفشل في تحمل مسؤوليات الراشدين أو الشباب.

  • تلقين الفتى مسئوليات المرحلة القادمة ومهامها وتكرهه في خصائص المرحلة السابقة فتساعد على تخطي مجال سابق مألوف دون أسف كبير وتدفعه إلى إعادة التنظيم والتكيف بدرجة معقولة من الكفاءة.

  • تعلن للآخرين أن الفرد لم يعد طفلأ ومن ثم تحول دون استمرار معاملته كطفل .

  • فسانيا : ما مدى خطورة فترة المراهقة وتأثيرها على نفسية الشباب ؟

فترة المراهقة والشباب لا تعنى حياة جديدة أو مجرد التخلص من بعض العناصر في الحياة القديمة. ففي مجتمعنا الفتاة لا تتحمل مسؤوليات جديدة بل هي تتخلص من بعض المسئوليات القديمة لتؤدي المسؤوليات الأخرى بكفاءة أكثر وهي لا تدخل في علاقات جديدة تماماً ولكنها تركز على بعض العلاقات وتسقط بعضا آخر.

ولهذا كله في رأيي يكون الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد عبر مرحلة الشباب قد يتضمن بعض المعاناة اللحظية ولكنه لا يترك فرصة لحدوث أزمة. وهذا يختلف عما يجرى في اﻟﻤﺠتمعات الحديثة المعقدة.

فمن ناحية أولى ليس ثمة إجراءات أو ترتيبات يتم بها انتقال الفرد من الطفولة إلى المراهقة إلى الرشد بالسهولة واليسر والهدوء نفسه التي يتحقق بها ذلك في اﻟﻤﺠتمعات البدائية كمجتمعنا هنا في الجنوب الليبي وليبيا عموماً .

بل على العكس من ذلك ليس من النادر أن تتمثل استجابة الكبار للتغيرات الجسمية والنفسية التي تطرأ على الفرد في مرحلة التحول .

بل إن مشكلات وعيوب النمو الجسمي مثلا – قد تواجه بالسخرية (ولعل من أهم مصادر هموم المراهقات في مجتمعاتنا تعليقات الآخرين على بعض ملامحهن وبخاصة حين يكون في الجامعات . و بعض أعضائهن- كالأرداف أو شعر الرأس أو ألأنف أو غيرها غير مطابق لمواصفات الجمال السائدة في اﻟﻤﺠتمع وتكون التعليقات جارحة للكبرياء في بعض الحالات).

ومن ناحية ثانية : لا توجد في الحضارات تحديدات واضحة لمسؤوليات مراحل الطفولة و المراهقة والشباب و ثم يجد الفرد الذي يتخطى مرحلة الطفولة نفسه في مجال غير متعين أو غير مهيأ لا تزيده عملية التجربة والخطأ إلا غموضا.

ومن ناحية أخيرة لا تحدد اﻟﻤﺠتمعات الحديثة نقطة من عمر الفرد أو تجربة في حياته ينتقل بها من الطفولة إلى الشباب أو إلى الرشد فلا النضج الجسمي-الجنسي ولا العمل ولا الزواج تدل على اكتمال النضج بل إن اﻟﻤﺠتمعات تحدد أعمارا مختلفة للنضج في الحالات اﻟﻤﺨتلفة.

فسن المسؤولية هو السادسة عشرة وسن التجنيد هو الثامنة عشرة وهو سن الزواج بالنسبة للذكور وسن الترشيح للمناصب والبحث عن السلطة هو الثلاثون وهكذا.

  • فسانيا : برأيك من أين تبدأ الحكومة? هل تبدأ بتغيير الشاب وقيمه وأساليب تفكيره بصورة خاصة أم ننطلق من تعديل واقعه المادي والاجتماعي?

من ناحية أولى أن ظروف الحياة الإنسانية بعناصرها المادية والاجتماعية الحضارية ليست معطيات جامدة محددة سلفآ و هي وقائع من صنع الإنسان ومن ثم فهي قابلة للتغيير بفعل الأنسان نفسه ، ومن ناحية أخرى فأن وعي الإنسان بظروف حياته وموقفه منها ، وقدرته على التعامل معها ليست انعكاساً سلبياً للواقع تقيده به تماما بل تطوي على قدر من حرية الفعل والقدرة على التعديل.

بعبارة أخرى مطلوب منا أن نعمل في جبهتين : الواقع والإنسان. وجهد الحكومة في تعديل أي منهما يؤثر في الأخر على أية حال. والدولة عليها الاهتمام بالشباب في الجنوب وغيره من بقاع وطننا الأغر وطننا ليبيا التي ما إن يجد فيها الشباب مطالبهم وأمنياتهم ، حتى يعطوا ما عندهم ، وترتقى البلاد برقى شبابها ،وتتحسن بتحسين أوضاعهم ، أمـــــــــا هكذا فلن تزيد الأمور الا تعقيدا والطين إلا بللاً.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :