يوميات المعلمة (س)

يوميات المعلمة (س)

قصة قصيرة/ أحمد بشير العيلة

المعلمة (س) تنهض قبل شروق الشمس، حيث لا ظل لها، تجهز نفسها لدوامها اليومي، طولها مألوفٌ بين زميلاتها 161سم طولٌ معقول بل جيد، وهي ترتاحُ كثيراً حينما يستقر طولها عند هذا الحد، لمعت حذاءها وهندمت لبستها أمام المرآه وحملت حقيبتها وخرجت.

معنوياتها صباحاً جيدة، فهي مستعدة ليوم دراسي بدأته بالتفاؤل بل وبالشاعرية وهي تسير وتشتم رائحة الياسمين وهي تفوح من سور جيرانها فارتفع طولها قليلاً، وإن تغبر حذاؤها تقصر قليلاً، لكن قامتها تزداد عدة سنتيمتراتٍ عندما يحييها أحد الصغار الذاهبين أيضاً إلى المدرسة.

وقّعت في كراسة الحضور، وحيّت زملائها ووقفت في الطابور الصباحي أمام فصلها وحين بدأ النشيد الوطني بدأت تطْول وتطْول وتطول حتى كاد طولها يصل لنوافذ الدور الثاني المطلة على الساحة. اكتمل النشيد ورجعت إلى الـ 161سم. في الفصل كانت تشرح درس الاستعمار على الوطن العربي، قصرت قليلاً عندما تكلمت عن الوضع المزري الذي أدى إلى دخول الاستعمار، وازدادت عدة سنتيمترات وهي تشرح عن المقاومة، وعندما طُرِق الباب، رجعت إلى طولها، وإذ بموجه المادة يدخل عليها، قصرت قصرت قصرت ورأت الموجه الأصلع القصير السمين كبيراً غطى على السبورة، شرحت أمامه، وهي أقصر مما ينبغي، حكت قصصاً من التاريخ ارتفعت معها بما يناسب حماسها في الشرح، شكرها الموجه، وسأل الطلاب، لم يجاوبوا قصرت مع كل خذلان ، أخيراً أحدهم أجاب عن سؤالٍ حول معركةٍ كانت قد شرحتها بحماسة شديدة، ارتفع طولها قليلاً، تنفست الصعداء. وأحست أنها في نفس مستوى الموجه وهي تناظره في عينيه وهو يبدي الملاحظات لها في غرفة الإدارة، إلا أنه عندما بدأ يلومها بشدة عن التقصير في الوسائل التعليمية، ظلت تقصر وتقصر وتقصر، إلى أن طمأنها أن شرحها جيد، فعادت إلى طولها الأدنى قليلاً من الطبيعي.

لم ينته يومها الدراسي، إلا وقامتها تعلو من جراء مديحٍ لإحدى المشرفات عن خلقها ودماثتها وحسن أدائها.

دخلت إلى بيتها بعد انتهاء الدوام أطول من الطول الذي خرجت به، وغالباً ما يحدث العكس، ماهي إلا دقائق وإذ بصراخها يعلو، فهناك صرصورٌ يجري وراءها فظلت تقصر وتقصر وتقصر، والصرصور يكبر ويكبر ويكبر حتى كاد يدوسها، إلا أن جاء أحد أهل المنزل هوى عليه بفردة شبشب، رجعا هي والصرصور لطولهما الطبيعي، هو توقف عن الحياة، وهي استمرت في يومياتها تتمدد بالإشادة والارتياح وتنكمش بالإحباط والقلق.

أحمد بشير العيلة

25/8/2022

اللوحة المصاحبة: (جسدية الانفعال) للرسامة الأمريكية Amber Day

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :