بقلم :: إنتصار بوراوى
نجوى بن شتوان قاصة وروائية من مدينة بنغازى رسخت أسلوب وبصمة خاصة بها، من خلال إصداراتها القصصية المتوالية :
قصص ليست للرجال صدرت في عام 2003
طفل الواو صدرت فى عام 2006
الملكة صدرت في عام 2008
الجدة صالحة صدرت في عام 2012
و أيضا صدر لها مجموعة من الروايات هى وبر الأحصنة عام 2005
رواية مضمون برتقالي ..صدرت في عام 2008
ورواية زرايب العبيد التى صدرت في عام 2016
بالإضافة لأصدارها ديوان شعرى بعنوان “الماء في صنارتى “ومسرحية بعنوان “المعطف”
هى إذا كاتبة متعددة التجارب ولديها حس المغامرة الإبداعية وهوس بالكتابة في كافة تجلياتها وأجناسها الإبداعية ولكن يظل لكتابتها في المجال القصصى والروائى بصمة خاصة بها مختلفة عن الجميع
الكاتبة نجوى بن شتوان فى مجموعتها القصصية “الملكة” تمضى بنفس أسلوبها القصصي القائم على السخرية اللاذعة وانتقاءها للقطات قصصية من المجتمع وتشكيلها عبر قلمها الناقد المحمل بكثير من الحياد في التعاطي مع صور الحياة حولها فالقاصة تكتب شخصياتها بحياد تام ، مع تشفير قصصها برموز ودلاالاات مختلفة تمنح نصوصها شفرات مميزة.
تحتوى مجموعتها القصصية ” الملكة ” ،على أكثر من مئة نص قصصي أعتمدت القاصة فيه على أسلوب التجريب والتمكن والاحتراف فى كتابة القصة القصيرة ، فالنصوص تنضح بخبرة ونضج فني اكتسبته القاصة من سنوات طويلة في كتابة القصة القصيرة ، وهى تفاجئ القارئ الذي تعود على نمط محدد بالكتابة القصصية للمرأة الليبية متكون فى كثير من محاور خطوطه على مناغاة الحبيب والشكوى من غيابه أو هجره أو خيانته ، ولكن القاصة “نجوى بن شتوان”تقلب طاولة الفكرة المسبقة عن كتابة المرأة في ذهن قارئها عبر ولوجها لعالم مناكفة ومشاكسة الأطر التقليدية والاعتيادية للصيرورة الاجتماعية التي استنامت لخطوط متفق عليها ضمنيا دو ن ورق مكتوب .
القاصة توخز اللحم المهترىء للمجتمع وتناكشه وتستفزه بسخرية لاذعة ،و تكتب بعض قصصها بضمير المتكلم للرجل وذلك نادر فى كتابة المرأة الليبية كما فى قصتها ” صورة مقطعية لفارس” حيث تلتقط الكاتبة بفنية وذكاء قصة الزواج بالطريقةالتقليدية وبتلاعب فنى جميل تسبغ على القصة حس ساخر ثم تنهيها نهاية مفتوحة ، كما تفعل في أكثر نصوص المجموعة ،تاركة القارئ فى حالة دهشة ومحاولة إجابة للأسئلة المعلقة التي تركتها القصة في ذهنه بحيث تعمد الى نقل فكرة مجتزأة من الحياة ،ثم تترك النهايات مفتوحة أمام فكر وذهن القارىء.
كما أن القاصة تدخل لمنطقة التجريب فى كتاباتها القصصية حين لاتتقيد عند رسم شخصياتها القصصية فى المجموعة ببشر من لحم ودم وانما تستعير الاشياء من حولها وتتلاعب بها بحس فنى وبطريقة مبتكرة كما فعلت فى نصها القصصى”نمو طفيلى”حيث صورت فى هذا النص حذاء تنمو فيه محموعة من الانوف التى هى كناية عن تدخل الأخرين فى مسيرة حياتها ،مما يجعلها تتخلص من حذائها وتمشى حافية دونه كى تتخلص من كل تلك الانوف التى تحرمها من خصوصيتها الانسانية .
قصص القاصة ” نجوى بن شتوان” لاتحمل اى اطار زمانى او مكانى محدد وان كانت تلمح فى مرور عابر على مدينة بنغازى حتى وان استعارت لها اسم اخر كما فعلت فى قصتها الساخرة المحملة بلغة لاذغة “نزلاء الشوكة ” بحيث لاتخلو ومضتها القصصية من سخرية فيها الكثير من الطرافةكما هو اسلوبها فى مجموعاتها القصصية
“وظيفة الشوكة انها اول لبنة فى وكالة الانباء البشرية فمن يؤمونها هم اكثر الناس دراية باحوال الناس وهم ذاكرة تسجيلية حية عن كل صغيرة وكبيرة صادقة وكاذبة”
ثم تقول فى مقطع اخير من قصتها باسلوب ساخر لاذع “لو أنك احصيت مجموع مافى توخيرا من شوك وغادرتها لتنظرها من نافذة كوكب اخر كيف تبدو فانك سترى شعبا يقيم فى الشارع ويتشبع بثقافته وابعاده وليس من الممكن ابعاده عن شارعيته ابدا؟؟
بسخرية لاذعة ممزوجة بمرارة موجعة تكتب القاصة “نجوى بن شتوان “قصصها ،تناكش مجتمعها ..تشاغبه ..تناوشه .. تعرى عيوبه وأمراضه بحياد تام دون أن تتورط فى التماهى مع الشخصيات القصصية التى تتابع ركضها فوق صفحات اوراقها البيضاء تناكف القاصة الشخصيات والأماكن والتفاصيل اليومية برؤية تأملية ساخرة لاذعة أحيانا .
وفى لوحات قصصية أخرى تستحضر كقارئ في ذهنك بعض من لوحات “أدواردو جاليانو”القصصية ،العابقة بالنفس التأملى فى الكون والوجود وهو أسلوب أصبح ينتهجه كثير من كتاب القصة الحديثة التى لم تعد تعتمد على الأساليب التقليدية فى القصة القصيرة من حيث ترتيب الشخصيات والوصف الممل والحدث بخط سردى واحد، نقرأ ذلك مثلا فى التقاطتها القصصية المعنونة ب”ميلاد الارقام”:
“فى عصور ماقبل الإحصاء ،صعد رجل وإمرأة الى جبل ليحصوا عدد السكان ،بعد سنوات نزل عشرات الأطفال الذين لم يعرفوا شيئا عن ذاك الرجل وتلك المرأة”
يتداخل الواقعى مع الفنتازى فى كثير من نصوصها القصصية وتتماهى القصص فى لغة مشذبة مجردة محايدة ،ليس فيها شعرية سردية أو مماهاة عاطفية بالشخصيات او الاحداث ،فى تخلص واضح من فنون السرد التقليدية فالنصوص متشظية بشكل مختلف ،ومحملة فى بعضها ببعد ترميزى مشفر خلف لغة صارمة حادة احيانا لاتخفى معانيها العميقة عن القارىء الشغوف بقراءة النتاج القصصى القديم والحديث
كتابة القاصة والروائية ” نجوى بن شتوان ” محملة برؤية مميزة ومختلفة وتشكل أضافة قوية وجديدة فى المدونة السردية القصصية والروائية للمرأة الليبية لذلك فليس غريبا أن تترشح إحدى رواياتها للبوكر وتكون اليوم فى مصاف القاصات والروائيات العربيات فى الوطن العربى لأن قلمها يحمل الكثير من التجريب والحس الفنى العالى والمختلف والمميز.