الظروف الصعبة التي تعاني منها بلادنا والتي انعكست على كل مناحي حياتنا تدفعنا إلى البحث عن أدوات من شأنها أن تخفف من حدة وقسوة هذه الظروف على المواطن الذي لم يعد يملك القدرة على استيعاب المزيد من الصدمات والانتكاسات حتى صار قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى مرحلة اليأس ، ولعل الحراك الثقافي المتمثل في تنوير الناس وتبصيرهم وتوجيههم نحو الطرق المثلى لاحتواء حالة الفوضى واستيعاب ما يمكن استيعابه في حالة التردي الذي لم يعد يقتصر على شيء بعينه بقدر ما بات يشمل كل شيء ، فهل يوجد لدينا حراك ثقافي يوازي أو يقترب من موازاة الحالة الليبية التي تردى فيها كل شيء ؟
وهل تعي النخب المثقفة عندنا أهمية هذا المجال ومدى حاجة البلاد إلى مساهمته في تخفيف وطأة هذا التردي ؟
من الناحية النظرية لدينا وزارتين للثقافة بدلاً من وزارة واحدة ولكل وزارة ميزانيتها المالية الضخمة التي أعدتها وفقاً لاحتيجاتها ” نشاطاتها ” كما أنه لكل وزارة فروعها المنبثقة عنها والموزعة في كل أنحاء القطر الليبي ” كل حسب المدينة التابعة له ” وينبثق عن هذه الفروع مراكز ثقافية ومرافق إدارية ومسارح ومكتبات وصحف وإذاعات مسموعة وكوادر وظيفية وكتاب وأدباء وصحفيين وما إلى ذلك .
هذا ما يسمى ” البنية التحتية الثقافية ” التي من المفترض أن يكون لها إنتاجها الثقافي الذي ينعكس بدوره على عقل المتلقي فيترجمه الأخير إلى عمل على الأرض يكون بالضرورة في صالح الوطن والمواطن ، لكن الحقيقة المؤسفة تقول عكس ذلك تماماً فمضمار الثقافة هو آخر ميدان يمكن أن يفكر الليبيون ” شعباً ومؤسسات ” في الخوض فيه واللجوء إلى سلاح التثقيف يبدو للجميع فكرة تدعو للضحك أما المطالبة بتفعيل الحراك الثقافي فهي كفيلة بجعل المطالب بها محل استهزاء ، المجتمعات ذات الحراك الثقافي القوي والمؤثر استطاعت بنفسها أن تتجاوز أزماتها وتتغلب على كثير من مشكلاتها ولنا في جيراننا ” تونس ومصر ” مثلاً وعبرة فهل يمكن أن ندرك قيمة وأهمية الثقافة يوماً ما ؟