كتب :: عثمان البوسيفي
قلة بقت مع فسانيا حين هاجمها العوز وبقيت وحيدة في الدرب تتحسس خطواتها في غياب تام للهيئة المنتهية الصلاحية والتي لا همّ لها غير تسويق الكذب حين يتاح لها في دوائر الحكومة الورقية الفاقدة لظلها . رسالة صغيرة أتت لهاتفي تقول موسى قتل وتساءلت بعمق الحزن كيف قتل لماذا قتل وأسئلة كثيرة تجر أسئلة أخرى خلفها والحزن لا ينفك يلاحق الروح في عمقها . موسى البهي الذي رحل عن فسانيا الأيام الماضية بعد خطفه وتعذيبه وقتله كان من الذين بقوا معي في فسانيا في أحلك ظروفها لا يتوانى عن دعم زملائه في الصحيفة ومد يد العون لهم ولم تكن مساندته مقتصرة على جانب واحد بل كان دائم التواجد في كل شيء له علاقة بالصحيفة . أن تفقد فسانيا المساندة من جهات حكومية اعتدنا على هذا الأمر لكن أن نفقد موسى فالضربة قاسمة وعميقة في جدار صغير تكون من مجموعة أفراد صغيرة ظلت مصرة أن تصدر فسانيا كل إثنين فالخسارة مفجعة حين تكون في الأرواح وتترك نُـدُوبها لسنوات طويلة . طيور الشر تمكنت من التحليق فوق رأس موسى وزرعت مخالبها في جسده لتتركه جثة هامدة في مدينة لا تعرف غير الموت في وقت كل همّ الحكومات الورقية سرقة المزيد من مال البسطاء وتركهم في العراء . موسى كان يصر على إيصال زميلات العمل معه في فسانيا إلى أبواب بيوتهن ولا يتوانى في الدفاع عنهن لو صادفهن مكروه لا سمح الله مما يؤكد أن خسارتنا في فسانيا كبيرة إنه نبض فسانيا . خبر موته أشاع فينا الحزن وجعلنا في دوامة كبيرة من الحزن عليه فقد مات لأنه من فسانيا البهاء ودفع روحه من أجل كلمة حرة في بلدة صارت مستعبدة بالقتل والخطف . تحولت الدقائق بعد رحيله إلى ساعات طويلة ويتردد صدى الكلام في دواخلنا رحيلك مؤلم يا موسى وفي توقيت الفاجعة فنحن مركبة أنت قائدها الحقيقي في وجه الرياح حين انهالت عليها رصاصات المجرمين لتتركها وحيدة على سفح الرمال الذهبية للجنوب الحبيب .. عقارب الساعة سارت ببطء وفي كل حركة لها تدق أسْفين الوجع في خاصرتنا لرحيلك المفاجئ عنا ونحن في أمس الحاجة لكل فرد من قلة صامدة اختارت الصمود في أكثر الأزمان قسوة وتوحشا . ندد العالم الصحفي الدولي بمقتله وبقيت الهيئة التي من المفترض أن تعاضدنا تشق طريقها من أجل مصالحها الشخصية فقط ولا يهمها شيء آخر . بنغازي العصية والبهية بادرت إلى إقامة حفل تأبين للراحل في الشرق الجميل الذي لا ينفك عن دعم باقي الوطن حين يصله النداء ونحن عاجزون عن شكركِ يا بنغازي فأنتِ أكبر من الكلمات وحبك يسكن عمق المسامات . الكتابة عن موسى ومحاولة ذكر كل ما كان يفعله من أجل فسانيا أراه شيئا صعبا فبعض الأشياء مهما حاولت أن تضعها في حجم الكلمات تجدها أكبر بكثير من تلك الكلمات وموسى على صغر سنه كان كبيرا في عطائه فالمواقف التي عاصرها أكبر بكثير من حروف صغيرة تكون ضئيلة جدا حين يأتي الدور عليها في وصف مناقب الراحل .. بكل مرارة تسكن الجوف فسانيا فقدت رجلا شهما ترك بصمته في كل الصفحات وترك خلفه أسرة تعلن في كل لحظة مرارة فقده وخسارته التي لا تعوض . موسى ستظل معنا روحك البهية مرفرفة في السماء الكبيرة والأرض التي صارت صغيرة من دونك . التعازي حارة إلى أسرته التي هي الأخرى فقدته وفقدها بالتأكيد أكبر من فقدنا له وكم عميق هو رحيلك عنا أيها البهي والنقي والسخي مع أهلك وصحيفتك وزملائك وأرضك وكل الذين أحبوك …