- المهدي يوسف كاجيجي
فى قاهرة المعز ساقنى القدر، للركوب مع سائق تاكسي. تبادلنا الحديث عن ازدحام المرور والغلاء، وفجأة حدث احتكاك بسيط، بين سيارتين. عقبه شجار تبودلت فيه الشتائم ، فتجمع المارة . التفت السائق إليّ وقال مهدئا: متخافش يا حاج، ده مجرد تنفيس. تحركت السيارة وواصل السائق الحديث : زمن صعب يا عمى الحاج، البني أدم فينا، بقى زي حلة الضغط ” طنجرة البريستو ” الناس اللي شفتهم بيتعاركوا، واحد أكيد مراته “قرفته” بمطالبها إللي ما تخلصش ، والثاني عنده ما يكفيه من مشاكل، مجرد ما حصل التماس “صفروا” .. ههههه.. زي الهواء الخارج من صمام حلة الضغط، وهذا من فضل ربنا وإلا ..لا قدر الله النتيجة تكون ،جلطة، او شلل ،او سكته قلبيه.
صمت السائق. وأعادني تشخيصه العفوي ،إلى أرض الوطن، وسألت نفسي: ماذا عن طنجرة الضغط الليبية ؟.ضحكت وتذكرت شكوى زوجتي مؤخرا، بعد زواج امتد ما يقارب نصف قرن ،عن كثرة صراخي اثناء النوم والشتائم التي تصدر عني، والمعارك التي اخوضها بالأيدي اثناء النوم وأنا أصرخ، يا ولاد الكلب.. يا ولاد الكلب، مما اضطرها للانتقال للنوم في غرفة اخري. استشرت طبيبي فشخصها ضغوط عصبية. تذكرت أيضا نصيحة القائد علي خليفة الزائدي، مؤسس كشاف ليبيا رحمه الله في معسكرات الكشاف في سواني بن يادم في الخمسينات عندما كان يقول لنا اخرجوا للغابة واصرخوا بأعلى صوت وقولوا آآآآآه ذلك جيد لإخراج المكتوم .ال آآآآه الليبية !!
الملاحظ لتصرفاتنا، وردود أفعالنا في الشارع الليبي بشكل عام، ستبدو له ال آآآآه الليبية أقرب إلى نوع من التصرفات المجنونة ،ولكن عندما نطبق نظرية ” التاكسيستا ” الحكيم سنكتشف أننا شعب عظيم الصبر وشديد التحمل، إذ كيف استطاع بمعجزة خارقة، أن يحتفظ بقواه العقلية حتى الأن؟!، بالرغم مما جرى ويجري على ارضه. وال آآآآه تخرج صراخا عند العامة، ولدى المبدعين تخرج شعرا ونثرا ورسما وموسيقى، وآآآآه المبدع هي الأكثر صدقا وتعبيرا. في الخمسينات عندما ارتبك المشهد السياسي، تحت وطأة الخلافات السياسية وضغوط سلطات الاحتلال الأجنبية، وقتها خرجت المظاهرات الوطنية ،وتليت الخطب والاشعار، نذكر منها، ما ينطبق على حالنا في المشهد السياسي الراهن، ابيات من قصيدة للشاعر الشعبي “حميده جعدان” ،الذي وصفه اديبنا الكبير الأستاذ أمين مازن، بالشاعر الشعبي والفارس الذي ذاع صيته في القرن الماضي.
والذي يقول في القصيدة:ليبيا مظلومةليبيا اليوم تحكم بدون حكومةالصقر فيها لازّاته بومةوالضبع يهرب من حمار قبالهولجيل الاحفاد: الصقر طائر يعيش علي قمم الجبال، رمزا للشموخ. والبومة تعيش علي الجيف والقمامة، ونعيقها نذير للشؤم، أما الحمار فما ان يشم رائحة الضبع، حتى يطير خوفا ورعبا.أحذروا ال آآآآه الليبية !!
يقول الشاعر: إن البلاء وإن طال الزمان به *** الموت يقطعه أو سوف ينقطع. ويقول أبن النحوي: اشتدي أزمة تنفرجي *** قد أذن ليلك بالبلج. ويقول الليبيون الأوائل: ما يعجبك في الزمان إلا طوله. نحن شعب صبور نعم، ونلعب على قضية الزمن نعم، ولكن الضغوط المتراكمة، تتجمع كنذر السحب قبل العاصفة، مقدمة للانفجار العظيم. يا سادة لا يخدعنكم ما يبدوا على السطح، واقرأوا التاريخ ليخبركم بما جرى. يا سادة احذروا من ال آآآآه الليبية الغاضبة.* الصورة: من مظاهرات 23 اغسطس متداولة على صفحات التواصل، والمقال سبق نشره.