ناجي الحربي
عندما يقترب فصل الشتاء في قريتنا التي أغلب بيوتها من الصفيح.. يخصص والدي يوما لصيانة ومعالجة ثقوب أسطح الغرف عن طريق مادة القطران.. ثم يتجه نحو حواف البراريك لصناعة مجرى لمياه الأمطار.. مع وضع الأحجار عند الأماكن الضعيفة والمحتملة للتسريب.. فيما تعمل أمي على تجهير متطلبات الشتاء.. فتقوم بتبييس الإكليل لتبخيره منعا لعدوى الانفلونزا التي كانت تطلق عليها تسميات ليست طبية مثل “الصبره” أو ” الزكمة”..
كما أنها ترتق ملابسنا الشتوية بواسطة السلك والإبرة.. هذا غير الأكلات الشتوية كالحساء والقديد والسحلب الذي يخلو من المكسرات.. كانت تقول: السلحب والحساء والليمون تدفئكم في صقيع الليالي.. عندما يتساقط الغيث النافع نرى الفرحة في عيون الكبار.. وكانوا يدعون الله أن يكون الزرع هذا العام “صابا”..
كانوا يثقون في الخالق لدرجة أنهم يسألون كل قادم من مكان بعيد عن كمية المطر فيقولون: الله يقسم في أرزاقه.. في نهاية الخريف وبالتحديد منتصف شهر سبتمبر يتوقعون الغيث النافع الذي يطلقون عليه”البدري”.. فعندما ترعد السماء ويسمعون صوت اصطدام السحب المصحوب بالبرق.. كانوا يتلون سورة الإخلاص سبع مرات.. يكبرون ويهللون.. فرحين بقدوم الخير..
في حين كانت النسوة يقمن بتبخير البيوت بحبات الكسبر في اعتقاد منهن لإبعاد مصائب الصواعق.. بحلول شهر نوفمبر يستعد الفلاحون لحراثة الأرض وزراعتها بالقمح والشعير وهم يبتسمون للسماء ويشكرون الله على نعمته.. كانت حياتهم تعتمد على التوكل..والثقة بالله..