محمد الصالح الغريسي
نوح الذي صنع الفلك
بأعين ربّه و الوحي
لن يعودْ نوح الذي حمل في فلكه
من كلّ زوجين اثنين و من أهله
لن يعودْ نوح الذي َنَادَى
ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ «
يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا
وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ »
لن يعودْ كلّ الذين أراهم
اليوم في الطرقات ..
كلّ الذين يقيمون في القصور ..
و الذين يسكنون الأحياء الفوضويّة ..
كلّ الذين يتعالون في البنيان،
و الذين يتواضعون في العلم
.. كلّ الذين شقّوا البحر ،
و صعدوا إلى السّماء بسلم ..
كلّهم جميعا قوم نوح و نُوح بَعْدُ
قد رحلْ و نُوح بَعْدُ لن يعودْ …
يا أيّها المتعطّشون إلى الدماء
و المجرمون الأشقياء..
يا أيّها الأذكياء و الأغبياء ..
و الأقوياء و الضعفاء ..
و الأغنياء و الفقراء ..
و الخائنون و الأوفياء ..
من الرجال و النساء .
الكلّ على السواء
يا أيّتها الشياطين الخرساء..
هذا الطوفان قادم في الأفق
فإلى أين المفرّ سيغرق الجبال
و السهول سيقلع النبات و الشّجر
و يجرف الرمال و الصخر
و يهلك الدواب و البشر
فماذا أنتم فاعلون و نوح الذي نعرف
لن يعود فلا عاصم لكم من الطوفان
لا جبل و لا عمارة و لا مال
و لا تجارة و لا ملك و لا وزارة
و لا مكر و لا شطارة
و لا فُلْكَ لديكم للنجاة
يا أيّها المذنبون بما جنت أيديكم
و يا أيّها الساكتون عن الباطل الذاهلون
عن الحقّ يا من عميت قلوبكم
و أبصاركم يا من رميتم الخير
خلف ظهوركم و استبطنتم الشرّ
و زغتم عن طريق اليقين
هو ذا الطوفان قادم فماذا أنتم فاعلون
انسجي “بينيلوب” ما طاب لك .
ثوب الوفاء فــ”أوليس”
لن يعود سقط “أوليس”
في بئر الغواية و أمسى يعاف الرحيل
ألم يقتل قابيل قديما أخاه هابيل ؟
ألم يلق إخوة يوسف في البئر أخاهم ؟
يا عجائب الدنيا السبع أنت أيضا
سيغمرك الطّوفان و مع ذلك ستبقين شاهدا
على جبروت كائن .. كان اسمه الإنسان