- محمد عبد الله
معلوم أن الإنسان قد فطره الله محتاجًا في قضاء حوائجه إلى من يعاونه ويساعده على إتمامها. فقد ثبت بالواقع والتجربة أن الأعمال التي تحتاج إلى معاونة الآخرين لا يمكن أن تقوم على عاتق فرد مهما بلغ من القوة والإحاطة بتلك الأعمال، فدل ذلك على أن التعاون ضرورة إنسانية.
قال ابن خلدون في مقدمته:
(إن الاجتماع الإنساني ضروري.. وبيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء. وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له أيضًا دفاع عن نفسه لفقدان السلاح، فيكون فريسة للحيوانات، ويعاجله الهلاك عن مدى حياته ويبطل نوع البشر. وإذا كان التعاون حصل له القوت للغذاء والسلام للمدافعة وتمت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه، فإذن هذا الاجتماع ضروري للنوع الإنساني، وإلا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم) .
ويقول الراغب الأصفهاني:
(أعلم أنه لما صعب على كل واحد أن يحصل لنفسه أدنى ما يحتاج إليه إلا بمعاونة عدة رجال له فلقمة طعام لو عددنا تعب محصليها من الزراع، والطحان، والخباز، وصناع آلاتها لصعب حصره واحتاج الناس أن يجتمعوا فرقة فيتظاهروا، ولأجل ذلك قيل: الإنسان مدني بالطبع أي لا يمكنه التفرد عن الجماعة بعيشه بل يفتقر بعضهم إلى بعض في مصالح الدين والدنيا، وعلى ذلك نبه r بقوله: «المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وقال: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا تألم بعضه تداعى سائره». وقيل: الناس كجسد واحد، متى عاون بعضه بعضًا استقل، ومتى خذل بعضه بعضًا اختل.
ونجد أن الله تبارك وتعالى فاضل بين عباده، فكان نتاج ذلك أن استعمل بعضهم بعضًا في قضاء حوائجهم، فالحياة لا تكمل ولا تصلح ولا تنتظم في عقدها إلا بالتعاون بين أفراد البشر، حيث يستعمل «بعضهم في حوائجهم، فيحصل بينهم تآلف وتضام ينتظم بذلك نظام العالم».
قال تعالى: }لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا{ [الزخرف: 32] أي ليسخر بعضهم بعضًا، في الأعمال والحرف والصنائع فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطل كثير من مصالحهم ومنافعهم .
فهذا يدل على ضرورة التعاون بين الناس، وأن هذا التعاون قد اضطروا له اضطرارًا، لا يملكون رده ولا منعه، فهو ضرورة من ضروريات الإنسان والحياة.
يقول سيد قطب رحمه الله عند قوله تعالى: }لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا{ ليسخر بعضهم بعضًا، ودولاب الحياة حين يدور يسخر بعض الناس لبعض حتمًا.. إن كل الناس مسخر بعضهم لبعض، ودولاب الحياة يدور بالجميع، ويسخر بعضهم لبعض في كل وضع وفي كل ظرف، المقدر عليه في الرزق مسخر للمبسوط له في الرزق، والعكس كذلك صحيح فهذا مسخر ليجمع المال، فيأكل منه ويرتزق ذاك، وكلاهما مسخر للآخر في دورة الحياة، العامل مسخر للمهندس، ومسخر لصاحب العمل، والمهندس مسخر للعامل ولصاحب العمل، وصاحب العمل مسخر للمهندس وللعامل على السواء، وكلهم مسخرون للخلافة في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والاستعدادات، والتفاوت في الأعمال والأرزاق.. وطبيعة هذه الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد، والتفاوت بما يمكن أن يؤديه كل فرد من عمل. والتفاوت في مدى إتقان هذا العمل، وهذا التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة للخلافة في هذه الأرض، ولو كان جميع الناس نسخًا مكررة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة، ولبقيت أعمال كثيرة جدًا لا تجد لها مقابلاً من الكفايات ولا تجد من يقوم بها – والذي فلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو، خلق الكفايات، والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها .
وكما أن التعاون ضرورة إنسانية فهو أيضًا قانون من قوانين الكون، نجد ذلك في تبادل المنافع بين الكائنات، فالكائن الحي يعتمد على النبات، والشمس تقوم بمنفعة الكائنات الحية، وكذلك القمر والنجوم تعين الإنسان بعد الله عز وجل في الاهتداء في ظلمات البر والبحر، وكذلك الحشرات تقوم بمنفعة النبات، وكذلك النبات تنتفع به الحشرات، وهكذا نجد تبادل المنافع بين المخلوقات في هذا الكون العظيم، كلها تتعاون لتحقيق ما يريد الله، فسبحان الله العظيم كيف قدر وكيف هدى! أليس في ذلك لنا أخوة الإسلام أن نتعاون لكي نتجاوب مع الكون في منظومة واحدة؟ ولا نخالف التيار فيحصل التصادم المؤدي إلى الضعف، ومن ثم التمزق والتفرق الذي نهى الله عنه في ملة الإسلام.