يونس الفنادي
لِمَ لا نعترف؟ نحن الذين رسمنا طوال تاريخنا أحلاماً شخصية ووطنية وقومية وفكرية، وزينّاها بأعذب الأمنيات، وجعلناها أهدافاً نحلم بملامسة أهدابها والاقتراب من احتضانها مهللين ومزغردين وهاتفين بتحقيقها .. ولكننا لم نحصد إلاّ الوهم! لم نجن سوى السراب! ولم نحضن طوال أجيالنا سوى الخيبة تلو الأخرى! وحتى الخيبات والهزائم نتجرعها بمرارة ونخدع أنفسنا فنزينها بمفردة مهذبة ونسميها… انتكاسة أو نكسة!
جيلٌ عربي كامل وأكثر هتف للقومية وللوحدة وللتحرير وانتكس! أقصد انهزم! جيلٌ ليبي أفنى عمره وراء شعارات قومية وأفريقية وأممية وأيديولوجية مثقوبة فوجد نفسه عارياً .. لا فكر في فكره .. ولا إنجازا ماديا بين قبضة يديه وعلى أرضه! لماذا لا نعترفُ بأننا مشينا في الطريق الخطأ؟
لماذا لا ننقذ ما يمكن إنقاذه في هذا الجيل وما بعده؟ إن الاستمرار في الخطأ .. الضلال .. الضياع .. الوهم … التيه … بعد التيقن بانسداد الأفق لهو أخطر مما سبقه من تجريب وتهور ومغامرات ونزوات وطنية وقومية طائشة! فلماذا لا نكسب ما تبقى من هذا الزمن، ونحفظ بعض الدم في وجوهنا؟ ولما لا نعيد منهجية تفكيرنا في بناء جيل آخر لا يكون مثلنا .. ولا يحمل عيوبنا .. ولا نورثه هزائمنا؟!
متى نواجه أنفسنا ونعري حقيقتنا المهزومة فكرياً أمام رؤى وأفكار مستجدة أكثر عقلانية وموضوعية وواقعية، وكذلك أمام مبتكرات تقنية اختصرت الزمن وعجّلت بانتشار الأفكار .. ففتحت الفضاءات على مصراعيها للجدال والحوار والنقاش والبقاء للأنفع والأفيد .. والأقوى بطبيعة الحال
. متى نصحو من غفواتنا التي طالت لأجيال وقرون؟ كفانا تزويراً للحقائق .. كفانا إهداراً للوقت .. كفانا تدميراً لطاقات شبابية لا عمل لها سوى صناعة التطرف الفكري أو الاستقواء بالسلاح. تُرى هل نقدر على المواجهة والصمود والتصدي والتحدي؟ أم أنه الرحيل؟