تعد الرقابة على دستورية القوانين أهم وسيلة لحماية الدستور وضمان سلامة القانون من أي مخالفة دستورية، فهي الوسيلة الأساسية لضمان سمو الدستور و مبدأ المشروعية وحماية للحقوق والحريات العامة أساسي للحريات ولاستقرار النظام القانوني داخل الدولة.
إن أهمية مبدأ تدرج القوانين يظهر من خلال الوسائل التي تؤسس بها مختلف القوانين، والتي الدستور في الغالب أعلى قمة الهرم القانوني في الدولة، ونظرا لما يحتويه من أحكام تؤسس قبل الشعب، والذي يعتبر تقليدا له وامتدادا إلى النظم السياسية القديمة، كما تشكل طريقة وضع الدساتير مبررا آخر لأهمية الدستور إلى ضمان الحقوق والحريات الفردية، وينظم السلطات داخل الدولة وضرورة حماية هذه الوثيقة الدستورية بأن يكون بسط رقابة على كل ما يخالف أحكام الدستور من قوانين بكل أشكالها، وبالتالي يعتبر موضوع الرقابة على دستورية القوانين من أهم المواضيع في الدراسات القانونية الحديثة نظرا لارتباطها بضمان سيادة القانون وقيام دولة الحق، وفي الحقيقة هناك أنواع من الرقابة على دستورية القوانين، أهمها الرقابة السياسية والرقابة القضائية موضوع مداخلتنا هذه، والتي تعتبر من أهم الآليات الناجعة حسب الكثير من فقهاء القانون الدستوري، نظرا لارتباط الرقابة على أعمال السلطة التشريعية هي عملية قانونية، وبالتالي وجب على القضاة أو السلطة القضائية ممارستها وليس هيئات سياسية ، ونظرا كذلك لارتباط القضاء بالنزاهة والاستقلالية والحياد، وهو ما يمكن أن يكون ضمانة إضافية في الرقابة على دستورية القوانين.
ﻓﺎﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ دﺳﺘﻮرﻳﺔ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ﻧﻮﻋﺎن : رﻗﺎﺑﺔ ﻗﻀﺎﺋﻴﺔ ورﻗﺎﺑﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ،ويكمن الاختلاف بين الرقابة السياسية والرقابة القضائية هي أن الأولى تعتبر سابقة لصدور القانون,أما الثانية فهي لاحقة لصدور القانون وأن القضاء يمارس عمله في الرقابة بعد صدور القانون للتأكد من دستورية القانون الصادر من عدمه.
تعد الرقابة على دستورية القوانين من أهم الوسائل القانونية لحماية الدستور من العبث به، وقد يؤثر تعاقب الدساتير على الرقابة على دستورية القوانين سواء بإجراء تعديل دستوري أو إصدار دستور جديد، وذلك من خلال بعض الإشکالات التي قد تثيرها هذه الرقابة من حيث مدى إجراء رقابة على دستورية النصوص الدستورية الجديدة، وکذلك من حيث تغيير نوع الرقابة على دستورية القوانين، أو تحديد الدستور محل الحماية عند إجراء الرقابة على دستورية القوانين، ومدى المساس بالحجية المطلقة للأمر المقضي به لأحکام القضاء الدستوري.
بالتالي فإن مبدأ سمو الدستور لا يمكن احترامه إلا إذا كان هناك جزاء يفرض على من يمس هذا المبدأ ويخالف القواعد الدستورية وعلى هذا الأساس نجد العلاقة وثيقه بين الجمود الدستوري ومبدأ سمو الدستور ؛ لأن الجمود يعتبر نتيجة منطقية لمبدأ سمو الدستور , ومن أجل ضمان وحماية هذا المبدأ قرر مبدأ الرقابة على دستورية القوانين , وعلى هذا الأساس تعتبر القواعد القانونية المخالفة لنصوص الدستور الجامد باطلة حتى في حالة عدم النص على ذلك في صلب الدستور , فالرقابة على دستورية القوانين تثور إذا ما خالف القانون نصاً دستورياً جامداً والتي تؤدي إلى إلغائه أو الامتناع عن تطبيقه ،فالرقابة القانونية المباشرة لحماية القواعد الدستورية، تعد من أهم موضوعات القانون الدستوري، إذ يعد من الموضوعات المهمة التي تناولتها الدساتير بهدف الحفاظ على سمو الدستور من خلال منع خرق السلطة التشريعية للدستور، أي أنها الوسيلة الناجعة التي تكبح جماح السلطة التشريعية وتمنع غلوها على الدستور لأنها الجهة التي تراقب سلامة التدرج القانوني، و تحمي الديمقراطية عن طريق حماية الشرعية و مراعاة مبدأ المشروعية عن طريق التحقق من مخالفة القوانين للدستور تمهيدا لعدم إصدارها إذا كانت لم تصدر أو لإلغائها أو الامتناع عن تطبيقها إذا كان قد تم إصدارها و اختلفت الدساتير في تبني أي نوع من أنواع الرقابة على دستورية القوانين فمنها من أخذ بالرقابة القضائية و البعض الآخر تبنى الرقابة السياسية على دستورية القوانين.
أما الرقابة القضائية على دستورية القوانين فأغلب الدول المعاصرة تعتمد عليها في فحص القوانين، ودأبت دساتيرها على تضمين نصوص تنظمها، وتحدد اختصاصات الجهة المنوط بها عملية الرقابة، ومن ثم لا نتوقع أن يشد الدستور الليبي الجديد بعد التغيير السياسي الذي حدث في ليبيا عام 2011م، وفعلا لمس الليبيون شيئا من هذا القبيل في العديد من الطعون الدستورية، فأشار أغلب الأساتذة في مجال القانون والدستور إلى دورها المهم ،وذكروا أن منح هذا الاختصاص للمحكمة الليبية العليا يتأثر بالأحوال السياسية للبلاد، فقد أعطيت لها لأول مرة بموجب قانونها عام 1953م وفقاً لدستور عام 1951م، ثم سحب البساط من تحتها متأثرا بالإعلان الدستوري لعام 1969م ووثيقة عام 1977م، وأعيد إليها الاختصاص بموجب القانون رقم 17 عام 1994م؛ ليأذن بعودة الرقابة على دستورية القوانين في ليبيا، وليكرس بعد ذلك قواعدها الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2011م؛ لتنطلق المحكمة الليبية العليا بممارسة الرقابة على دستورية القوانين، وفي حماية الحقوق وصون الحريات العامة للأفراد. ومن حسن الطالع ينتظر الشعب الليبي التصويت على مشروع مسودة الدستور لعام 2017م، والذي سيعزز من الرقابة على دستورية القوانين في ليبيا، من خلال إنشاء محكمة دستورية مستقلة، تتولى مهمة إبعاد أي تشريع مخالف للدستور.
ففكرة الرقابة على دستورية القوانين ظهرت لتأكيد مبدأ المشروعية وسمو قواعدها لكون الوثيقة الدستورية تتضمن عددًا من القواعد التي من شأنها تنظيم السلطات العامة في الدولة وتحديد الحقوق والحريات العامة للأفراد.
وأغلب الدراسات في موضوع دستورية القوانين والرقابة عليها أظهرت نتائجها إلى أنه تنحصر أوجه الطعن بعدم الدستورية في المخالفات التي تعتري القانون المخالف للدستور، حيث ينظر القاضي الدستوري في أوجه الطعن الأخرى بشكل أصلي ويبحث الانحراف التشريعي بشكل احتياطي، كما امتدت رقابة القضاء الدستوري في ليبيا إلى مراقبة التعديلات الدستورية من مراجعة الشكليات التي اشترطها الدستور نفسه للتعديل من قبل السلطة التشريعية.
ووسيلة الدفع بعدم الدستورية آلية للرقابة البعدية على القوانين في المنظومات القانونية، ولم تعد هذه الآلية حكرا على الطبقة السياسية فحسب بل تعدتها لتصبح حقا للمتقاضين كذلك من خلال إمكانية إثارتهم لهذا الدفع بمناسبة دعوى قضائية ينظر فيها، وعموما ينقسم الدفع بعدم الدستورية إلى نظامين أساسيين الأول، يتعلق بإحالة هذا الدفع من قبل جهات النقض إلى القضاء الدستوري مرورا بعملية التصفية الإجبارية، والثاني، يبنى على أساس إثارة هذا الدفع أمام المحاكم واتصال القضاء الدستوري به، وفي كلا النظامين فوارق جوهرية تبرز لتميز كل واحد عن الآخر وتتحد من أجل تحقيق غايته الأساسية المرتبطة بتنقية الأنظمة القانونية من المقتضيات غير الدستورية.
وتعد الرقابة الدستورية حلاً قانونيا هاما لضمان سيادة الدستور لحراسة النظام الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان، وبذلك أصبحت سمة بارزة في أي دستور جديد.
نخلص إلى أنه يعد الاختصاص الرقابي أبرز اختصاصات القضاء الدستوري وأهمها على الإطلاق. حتى أن بعض الاتجاهات الفقهية تذهب إلى ضرورة حصر وظيفة القضاء الدستوري بالجانب الرقابي فقط. ويحقق هذا الاختصاص الرقابي حماية فاعلة للحقوق والحريات سواء في صورة الرقابة على دستورية القوانين واللوائح أو في صور الرقابة على الإغفال التشريعي أو الانحراف التشريعي، فقد حقق القضاء الدستوري إنجازات لا بأس بها في هذا الصدد من خلال تصديه للتشريعات التي ثبت له انتهاكها للدستور سواء من خلال ممارسة الرقابة الدستورية على التشريعات المشوبة بعيب انتهاك الدستور، أو من خلال ممارسة الرقابة على الإغفال أو الانحراف التشريعي الذي قد تقع فيه السلطة التشريعية بصوره المختلفة. ومعلوم أن الدستور هو مصدر ومنبع الحقوق والحريات التي على جميع السلطات احترامها والتي كفل لها مبدأ سمو الدستور حصانة شكلية وموضوعية من الانتهاك ويتولى القضاء الدستوري الرقابة على ديمومة تلك الحصانة وسلامتها من الانتهاك بصوره المختلفة.