الشاعر والكاتب والأديب ( عمر رمضان )
أمل ـــــــــــــــــــــــــــ
يقول الشاعر الكبير / الأشم يونس بالنيران قريرة ( لوغيبتني الدنيا / لا .. لا .. لاماتقولي غبت قولي ف يوم الجمعة / يرجع وإلا .. السبت وفي كل يوم أحد / قولي قريب يطل ولو فيه حد نشد / يوم الاثنين سأل قولي .. الأمل في الله / سألتوا .. وأنا جاوبت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لوفات يوم الاثنين // وماجيت لاريتيني قولي يجي الثلاث // وبيه اتكحّل عيني أو الاربعاء مرات // وإلا الخميس يجيني وحتى ولوفاتت الجمعة / وفاتت وراها كم جمعة بدمعة / وحتى ولوتم الشهر / وعقبه شهر باين وهلاله ظهر وحتى لو اكتمل القمر / وامسى بدر قولي لهم .. / مازال أملي في الله كبير يرجع .. ويرجع كيف قبل .. وخير ومن حسن ظني فيه // قولي .. الكريم طلبت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لومرت شهور توالت // لاجيت لاقابل رسيل ومهما الغيبة طالت // وسهرتي دياجي الليل ومهما الهواجس جالت // يروّح من عمره طويل قولي لهم / الاسبوع سبع ايام واطناشر شهر خالق الله في العام وما من اللي انكسر / بقدرة الله جبر / ولبر الأمان عبر وما من اللي هزم المرض / بقدرة الله انتصر قولي لهم ماسح دموع ايتام / والله ما يخلّيه واللي معاه الله ماينضام // والله يشبح فيه ويجبر الله الخواطر // ونقول الرهان كسبت )
هذه معزوفة فاض بها قلب عزمه من حديد وروح ثقته في مولاه .. بلا تحديد فاض بها مر الوجع والألم فــ دارت في حناياه كما يدور مر الزهر في أحشاء النحل فلايخرج إلا عسلا رقراقا ومن فيض هذا القلب الصافي إيمانا والدافي وجدانا والعازف ديوانا والعازف ألحانا والفائض وجدانا .. كانت المعزوفة ” أملا” وكان ” الأمل ” لها مضمونا وعنوانا ودندنة وبيانا وجوهرا وكيانا ومن بديع ماعزفه الأشم بالنيران في معزوفته هذه ـــ وهو سيد المعزوفات ــــ أنه بدأها بهذه المناجاة الوجدانية الدافئة الدافقة .. فجاء بها يدرجها تدريحا بديعا ويقسمها على مراحل كـــ أنها ” المضاد الحيوي ” يعالج به مريضا فـ جعلها في “شكل جدول” يقسمه على أيام الأسبوع أولا .. يتدرج به في رفق وخفق فــ هو يعرف مايقول ويفهم مايجول .. وبدأ المعزوفة عازفا في هدوء ولكن في ثقة وفي همس ولكن في صدق مع نفسه أولا وهو لايستمد صدقه من فراغ وإنما هو يتوكأ ويتوكل على مولاه العظيم ( لو غيبتني الدنيا / لا .. لا .. لاما تقولي غبت ) فهو لاينفي الغياب نفيا عابرا .. وإنما هو يثبت النفي ثلاث مرات متواليات بـــ (لا) في وضوح وصراحة لايتردد في القطع به في ثقة المؤمن ثم يتدرج في “العودة” عبر أيام الأسبوع في هدوء وهمس طيب حتى إذا أتم الأسبوع استعرض الشهر بدورته “القمرية” والشاعر تعمد “الشهر القمري” لأن في الشهر القمري معنى الدورة ومعنى المد والجزر ومعنى التقلب والتغير بما في ذلك الدورة الطبيعية للأنثى وهي الحياة فــ هو يعني ـــ من وراء حروفه ـــ أن الدنيا مهما تقلبت ودارت دورات وغيرت تغييرات فهو متعلق بــ برب الكون والتكوين .. لا بدورة شهر ولابمد وجزر حتى إذا نتهى إلى هذه القناعة العالية والثقة الغالية صرح في إيمان ( قولي لهم مازل أملي في الله كبير / يرجع .. ويرجع كيف قبل وخير ) ويقول ـــ واثقا ــ لمن يرسم لهم “جدول المضاد الحيوي النفسي” / ( ومن حسن ظني فيه / قولي الكريم طلبت ) ومن طلب الكريم فقد تعلق بحبل لاينفصم وطرق بابا لايرد طارقه والمعزوفة مقسومة هكذا ـــــ بداية هادئة يقدم فيها الشاعر الإسان المؤمن جدول العلاج لراحة النفس ـــــ ثم يستعرض مجموعة من الحجج التي يستلهمها من إيمانه وروحه ومن تجارب الدنيا وتقاليبها وتغيراتها فــ يقول ( ومهما الغيبة طالت / وسهرتي دياجي الليل ومهما الهواجس جالت / يروّح من عمره طويل ) إي والله فــ ما الأعمار إلا وديعة عند مولانا وما مات منا أحد منقوصا من عمره .. فالتسليم لله تعالى طمأنينة نفس وراحة روح وسكينة قلب ثم يقول ساردا قناعته التي يستمدها من فيض قلبه ومن أحوال الدنيا ( قولي لهم الاسبوع سبع ايام / واطناشر شهر خالق الله في العام ) وسبحان من تفرد بالتقدير والتدبير والتسخير والملك .. وهذه هي الحجة التي يسوقها الشاعر في إيمان راسخ ليواجه بها علته وقلق الخائفين عليه وانتظار المنتظرين لعودته من علاجه بحول الله كامل الشفاء ..وهي حجة واثقة فيها من فيض روحه وفيها من توفيق مولاه وفيها من تجارب الحياة ليختم هذا الجزء وهو الثاني من المعزوفة بــ قوله ملخصا ومؤكدا ( وما من اللي انكسر / بقدرة الله جبر / ولبر الأمان عبر ) لــ يدخل على الخاتمة وهي الجزء الثالث .. والجزء الثالث أو ” الضلع الثالث ” هو ضلع التسليم الكامل للعلي العظيم في ارتياح المؤمن راحة كاملة ( وما من اللي هزم المرض / بقدرة الله انتصر ) والأشم يعرف نفسه .. ونحن نعرف الأشم جيدا نعرف الأشم الفزاع الذي يجود بدمه قبل ماله وبماله قبل الطلب ويجود وهو لامال في يديه باسمه ليستلف هو نيابة عن الطالب لعونه .. ولقد أذكر ـــ ومن يعرفني يذكر جيدا ــــ أنني احتجت إلى مبلغ ذات مرة وكنت أعاني ثقل دين يؤرقني فــ ما إن عرف ما أنا فيه حتى جاءني حاملا في يده مبلغا كبيرا من المال وأنا أعرف جيدا أنه ــــ تلك الفترة ـــ ليس في جيبه غير ثمن سجائره أو أربما أقل وحين سألته ــــــ من وين جبت الفلوس رود باسما وهو يبتعد عني قليلا ـــــ من باب الكريم .. انت مالك ومالهن .. خوذ وخلص دينك بس وعرفت أنه باع سيارته بيعا عاجلا وبأقل من ثمنها الحقيقي مستعجلا حل أزمتي وتفريج كربتي .. ونعرف أنه إذا وقع في يده مبلغ من المال فهو كما يقول المرحوم الشهيد عبد السلام بالحاج ــــــ توا “العلاف ” ها الوقت رافع “المذاري ” ويكتّح في القريشات و”العلاّف ” هو لقب يونس بالنيران عند عبد السلام بالحاج .. ومعنى “العلاف” أنه المتكفل بمؤونتنا نحن رفاقه في الغالب الأعم ومن هنا جاءت كلمته وهو يقول ( قولي لهم .. ماسح دموع ايتام / والله مايخلّيه ) ويشهد الله ونشهد نحن ويشهد العارفون أنك أيها الأشم يد معطاءة ونوايا بيضاء وعزيمة حاضرة وفزعة لاتغيب وراء الأعذار ثم يخطر له ــــ وهو الشاعر القدير ـــ فيقول قاطعا كل حجة ( واللي معاه الله ماينضام // والله يشبح فيه ويجبر الله الحواطر // ونقول الرهان كسبت ) هذه ـــ أحبابي ــــ قراءة سريعة في قصيدة بديعة وقراءة باهتة في قصيد لامع .. وأنا ــــ بلا تواضع ــــ أسجل اعتذاري عن التقصير مع الدعوات الخالصات بالأكف المرفوعات والنوايا الصافيات لله سبحانه وتعالى أن يعجل بشفائه شفاء عاجلا غير آجل كاملا غير منقوص