ثقافتنا الرثة ولغتنا المنبوذة

ثقافتنا الرثة ولغتنا المنبوذة

كتب :: د :: طلعت مراد بدر  

مكاشفة مع الذات

منذ ان قال الجنرال غورو قولته المشهورة امام قبر صلاح الدين ( ها نحن قد عدنا ياصلاح الدين) وثقافتنا ولغتها في تدهور وانحدار لم تبرا منه حتي اليوم ولولا ان العربية هي لغة القران الكريم وتراث الاجداد وإبداعاتهم لاندثرت مثلها ومثل اللغات الميتة الي بادت وحلت محلها اللغة المقدسة الجديدة الانجليزية اسهل لغات العالم وأكثرها جفافا وفجاجة و (ثقل دم ) لا تذوق فيها ولا جمال سوي انها لغة المستعمر المنتصر الذي عشقنا كل شيء فيه حتي (فضلاته) والريح التي تصدر منه , بل ان ظاهرة اعتناق الشباب العرب للنصرانية لم يكن بفعل قناعة بها ودراسة لها بل حبا وهياما في انها دين المنتصر ثقافيا فباتت الانجليزية (ثقيلة الظل ) الدليل الاول علي الثقافة نفاخر بمعرفتنا بها ونتعالى علي عباد الله عندما نخطو خطواتنا الاولي بالتشدق بها آلا قاتلها الله وقاتل المتشدقين بها وجوه ممسوخة لا هوية ولا كينونة لهم كالمثقف السوداني الذي يتعمد خلط كلامه بالانجليزية حتي يزيد من مكانته في سذاجة وبله وتكلف .

وزاد الامر سوءا ظاهرة العولمة بنظامها العالمي الجديد الذي فرحنا به وهللنا له وهو يحمل لنا في خاصرته الوبال والدمار اذ سادت الانجليزية اكثر مما كانت واضمحلت الثقافة وقلت هيبة الكتاب العربي وتغلب نظام القرية الواحدة وتحول الي نظام الثقافة الواحدة واللغة الواحدة وأصبحت لغاتنا وثقافتنا مكروهة منبوذة كخيال الماته تهابه الطيور للوهلة الاولي ولكن سرعان ما تزدريه . وقد زاد الطين بلة العامية او الدارجة لغة وثقافة تلك المؤامرة الكبري ضد العربية وثقافتها فسادت الدارجة في الحديث والأدب والشعر والفن والعلم وفي لغة الخطاب والغزل وأصبح المتحدث بالفصحي مجلية للضحك والهزء والتندر فظهر هناك حائطا اطول من حائط برلين بيننا وبين لغة ثقافتنا وثقافة لغتنا فابتعدنا عنه وابتعدت عنا ولم يعد لها ثمة حضور الا في المراسيم والصلاة والدعوات ولا اعتقد ان منح جائزة نوبل لديب العامية نجيب محفوظ جاء من فراغ بل امعانا في الكيد للفصحي ,ولو كانت العربية هي لغة المستعمر لاولاها عناية فائقة وعرف قيمتها ..مسكينة هي العربية فان اهلها نبذوها ولم يكتشفوا قيمتها وقوتها ومقدرتها علي الصمود وقد سبق واشرنا الي ما من لغة قاومت صدأ التاريخ ومؤامراته كاللغة العربية فان كل اللغات التي عاصرتها بل بعض من اللغات التي أتت بعدها قد اصبحت في عداد اللغات الميتة وصمدت اللغة العربية لغة الضاد , لغة عنترة العبسي وزهير ابن ابي سلمي والفرزدق وجرير لغة المتني وأبي تمام والبحتري لغة المعلقات السبع والف ليلة وليلة …. ولغة القران الكريم . اللغة العربية هي أكبر لغات المجموعة السامية من حيث عدد ألمتحدثين بها وإحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم، يتحدثها أكثر من (422) مليون نسمة، ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة عالميا باسم (الوطن العربي)، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة؛ كالأهواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وارتيريا… وغيرها . والعربية هي أيضا لغة طقسية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في العالم العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطي. وأثر انتشار الاسلام، وتأسيسه دوليا، أرتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب والثقافة والحضارات لقرون طويلة في القرون الماضية في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت اللغة العربية، تأثيرا مباشرا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأوروبية؛ مثل الروسية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية. كما أنها تدرس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الافريقية المحاذية للوطن العربي. وتحتوي اللغة العربية علي (28) حرفا مكتوبا، وتكتب من اليمين إلى اليسار- بعكس الكثير من لغات العالم – ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها، ويطلق العرب على لغتهم العربية لقب (لغة الضاد) لاعتقادهم بأنها اللغة الوحيدة بين لغات العالم التي تحتوي على حرف (ض- الضاد اما بالنسبة لنشأة اللغة العربية، فهناك العديد من الآراء والأقوال والروايات حول أصل نشأة اللغة العربية لدى قدامى اللغويين العرب؛ فيذهب بعضهم إلى أن (يعرب) كان أول من أعرب في لسانه، وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث الشريف أن نبي الله إسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام أول من فتق لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن (14) سنة من عمره، بينما نسي لسان أبيه. أما البعض الآخر، فذهب إلى القول إن العربية كانت لغة والدنا ونبينا آدم عليه السلام في الجنة، إلا أنه لا وجود لأدلة أو براهين علمية أو أحاديث نبوية ثابتة تؤكد هذه الادعاءات والروايات.

وتطورت اللغة العربية الحديثة، عبر مئات السنين، وبعد مرور أكثر من (ألفي سنة) على ولادتها أصبحت – قبيل الاسلام – تسمى لغة مضر، وكانت تستخدم في شمال الجزيرة، وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها، بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة لغة (حمير) نسبة إلى أعظم ممالك اليمن حينذاك…… استعار الفرس والترك والهنود أحرفها فكتبوا بها لغاتهم وغدا سوف يستعير أحرفها وصورها البلاغية الانجليز والفرنسيين والاسبان والالمان ان غدا لناظره قريب . العيب فينا وليس فيها ,واجهت المصطلح العلمي الحديث فما أجفلت ولا ارتجف لها طرف فاستوعبته في جوفها وأخرجته من جديد بلسان عربي مبين , كتبنا بها القصة والرواية بل حكايات مجوننا ومروقنا فما انتكست فعبرت عنا ايما تعبير ونظمنا بها الشعر والرجز فجاءت عروسا جميلة يزفها الخريف رغم الجرح النازف الذي سببته لها (اللغة الدراجة ) قاتلها الله وهي المؤامرة الاستعمارية الكبري التي حاكها لها المستعمر لكي تسود لغته ويسود هو بعدها . تخيل صديقي لو كنا نتكلم جميعا اللغة الفصحي كيف سنكون من الرقي والسمو , بل تخيل صديقي لو كنا نستعمل الفصحي في حباتنا اليومية كما كان يتكلم بها العرب في أيامهم الخوالي كيف سنكون متحدين وأقوياء بلا دعوات قومية وبلا جامعة عربية . ان اول طلقة اطلقها الغرب في صدورنا كانت للأسف موجهة نحو اللغة العربية فاهتزت واهتززنا وتمزقت فينا اواصر الهوية بعد ان تمزق اللسان وأعوج . كم نكون مضحكين ونحن نتشدق بالانجليزية او نتبجح بالفرنسية ونختال في (عبط) وبله بالالمانية ونحن نمتلك أعظم اللغات . كثيرا ما ابتعدنا عنها لنحاكي العجم في لغاتهم اللاتينية وهي ترنو الينا في عطف وسخرية لسان حالها يقول ( حتما انتم الي راجعون والي كنفي أيبون ) . نحن مهما أجاد البعض منا لغات الفرنجة فانه سوف لن يضحك من أعماقه إلا بالعربية وسوف لن يقوي علي البكاء علي عزيز الا بها وسوف لن يحب ويعشق الا من خلال صورها الجمالية الرائعة .

وبدلا من ان نتمسك بالعروة الوثقي اخذنا نهاجم اولئك النفر من المستشرقين الذين اولوا التراث ولغته العناية والرعاية ووقعنا في ذلك الفخ الذي جعلنا نصور ماسينيون ونيكلسون ومونتجدمري واط واربري وماكدونالد وبراون وغيرهم من الرعيل الفاضل من المستشرقين نصورهم كمحرفين للتراث واللغة وبدلا من ان نكرمهم ونذكر محاسنهم وجهودهم اخذنا نهاجمهم وننتقص من قدرهم وهم الذين عشقوا التراث ولغته بل منا من اتهمهم بالتجسس والدعوة الي التنصر واليهودية وهم براءة من كل هذا وكانوا شموعا احترقت لتضيء لنا الطريق نحو التراث الذي هجرناه والثقافة التي ضيعناها او نكاد , واللغة الحبلي التي اجهضناها …. فليغفر الله لنا انحن اهل الثقافة الرثة واللغة المنبوذة

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :