علي المنصوري
جذبتهُ مِن خصرِهِ لتُدخِل قميصَهُ في بنطالِهِ
وضعت الإفطارَ في حقيبتِهِ التي أشارَ لها بأنها ثقيلةٌ على كتِفَيه ..
أهدتهُ إبتسامةً فقدَ معها شعورَهُ بثِقلِ الحقيبة، كأنها تحولت إلى سحابةٍ خفيفةٍ بملمسٍ ناعمٍ على أكتافِهِ
ليبدأَ يومَهُ بلَمساتٍ حانيةٍ من شقيقَتِه
كانت صباحاتُهُ هكذا دائما
مفعمةٌ بالحيوية
ذاتَ يومٍ
أخبرتهُ أختُهُ أنّها ستُسافرُ خارجَ الوطنِ وأنها جهزت لهُ ملابسَهُ وكلَّ مايحتاجُ ليُقيمَ عندَ أحدِ أقاربِهم ..
شدّت الرِّحالَ بعيداً وبقِيَ الطّفلُ وحيداً مع أقارِبِه
يذهبُ لمدرستِهِ بِملابسِهِ المجعدةِ ويعودُ في اليومِ التّالي دونَ أن يُنهي فروضَهُ المدرسية ..
يفتقد كلماتها وإبتسامتها وحُنُوَّ يديها
غابتْ عليهِ كثيراً ولا شيءَ يطمئنُهُ عليها،
غابتْ هناكَ حيثُ ذهبتْ دونَ أدنى إتصال
جالت المخاوِفُ في بالِه:
هل تزوجت وتركتني وحيداً؟
يجيبُ نفسَه: شقيقتي بمثابةِ أُمي التي لمْ أرها يوماً، لن تفعلَ ذلكَ فَهْيَ تعلمُ جيداً أنّني لا أستطيعُ العيشَ بدونِها..
لم يكُن يستطيعُ التّعبيرَ عمّ في داخلِه لِمَن هُم حولَه …
تدَهوَرَ حالُهُ وكَتَمَ الأمرَ بِقَلبِهِ زمناً ..
وبعدَ فترةٍ طالتْ حتّى أفرَغَتْ جيوبَ صبرِهَ ..
ذاتَ مساء
أخذَهُ قريبُهُ إلى المطارِ دونَ أن ينبَسَّ بنَبتِ شفّة
لم يَعِ الطفلُ ما يحدُث، أمضى وقتاً يُراقِبُ الوافدينَ مِن بوابةِ الوُصولِ مذهولاً مِن الحشودِ القادمة
فهو يخافُ الأماكنَ المُزدحِمَةَ المُغلقة
وعندما قرّرَ الخروج هرباً مِنَ المشهدِ، اتسعتْ عيناهُ وشهَقَ مِلْئَ صدرِهِ -بعدَ أن ضاقَتْ أنفاسُهُ مِن هذا المكانِ المُكتَظّ- مُشيراً إلى وجْهٍ يُطِلُّ مِن بينِ الْجُموعِ
وجهٌ لا يخطِئُهُ أبداً ..
وجهُ أكثرِ مَن أحبها في حياتِه
إنسانةٌ كانتْ تُحيلُ صُعوباتِ الدُّنيا لابتسامةٍ تلقيها على وجهِهِ
إنها شقيقتُهُ …
عادَتْ وأعادَت الابتسامةَ إلى ملامحِهِ
لكنّها أضاعتْ ابتسامتَهَا هناك
تساءل في نفسِهِ كثيراً: مَادهَاهَا؟ ما الذي آلَت إليه؟ لِمَ هِيَ كئيبةٌ هكذا؟
هذا الأبكمُ الصّغير
لا يستطيعُ أن يسألها شيئاً
تعذّرَ عليهِ حتى أن يخبرها كم هو مشتاقٌ لها
لكنّهُ كان يشعرُ بِها، بحُزنها، بالثِّقلِ الّذي كانتْ تحمِلُهُ على كاهِلِها..
حقيبته التي كانت سحابةً بِمَلمسٍ ناعمٍ بِبَسمَةٍ من أختِهِ أصبحَت غيمةً سوداءَ تمطِرُ الهمومَ عليه
بعدَ أن استَرقَ النّظرَ من شباكِ غُرفتِها وهي تخلعُ شعرَها المُستعار..