الأديب / خالد سعد..
لقد نظر أهل الحصافة لجهات تمنح لقب (شاعر) فلم يجدوا، فتُركت أولويات هذا الفن في يد الكثيرين دون دراية، وليس الشعر بأن نرصف بعض الكلمات في وزن معين وهكذا، إنما الشعر هو نتيجة موهبة في المقام الأول والأخير إلى جانب اللغة والأوزان والخيال والفطنة، والشاعر الحقيقيّ يحتاج أن يُنقد ؛ فملكة النقد والتمييز من أهم خصائص الشعور الفني.
الشاعرة : شريفة السيد
وعلى مائدة الشعر. وفي ضيافة الشاعرة الكبيرة شريفة السيد ورائعتها
(بشراي ربي) على نغم البحر الكامل/ متفاعلن متفاعلن متفاعلن.
وتتميز شريفة في أسلوبها بالاعتناء بالإطار اللغوي والصور وبأفكارها التي تتناولها من مكان نبوغها ونشأتها الأدبية بكلية دار العلوم ذات الطبيعة الأدبية الساحرة وكذلك من الأحداث السياسية والاجتماعية.
مُنحت شريفة موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا تجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا تنسال المعاني عليها انسيالاً وكأنها المطر الهطول، تغمغم بالشعر ماشية أوجالسًة على منصة دار الكتب، حاضرةدائما ولهذا أعتبرها متفردة بين شعراء وشواعر العربية حاليا.
لها حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتآلف لتحدث نغما يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعرها لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم نره ولم نسمعه في الجيل الحالي إلا من قلة من فحول الشعراء والشواعر. في وقت ضقنا ذرعا بمتشاعرين ومتشاعرات لا يمتلكون أبسط أدوات الشعر.
تقول الشاعرة:
بُشراي ربي أنت تعلم أنني
في كل ليل أشتهي برهاني
بشرايَ أحلامي تحقق بعضها
والبعضُ يحبو قاضما أحزاني
فلك المحامد كلها قد عطرت
قلبي وروحي مهجتي ولساني
حمدًا من الكف التي أعطيتَها
وغمرتها عوضا عن الحرمان
حمدًا من العين التي طبّبتَها
ومسحت دمعا سال بالأجفان
حمدًا من القدم التي قد صُنتَها
أنقذتَها من زلة الشيطان
حمدًا من القلب الذي في غفلةٍ
آويتَه بلطائف القرآن
حمدًا من الفم إذ لذكرك ينحني
ويقول حمدًا للذي عافاني
حمدًا من الجسد الذي والروحِ كم
لك في سجود النفس يلتقيان
يا ساترا عيبي وقاضي حاجتي
يا عاصما قلبي من الأضغان
يسّر كما يسّرت دربي سابقا
واشرح بصدري مضغة الغفلان
يا مُفرجا كربي وكاشف غُمتي
يا غاسلا قلبي من الأدران
ربي رضاك، وشد أزري إنني
من غير كفك كم يضِل كياني
طهّر فؤادي واحمِني مِن عالمٍ
حُسناه صارت قمةُ العصيان
خفف أذاهم يا إلهي ، كن معي
وامنن عليَّ بنعمة النسيان
حارب عدوّي ، أخزه ، باعده عن
عيني فليس يُسَر من خسراني
واجعل محبة أخوتي تزداد لي
ويُصب في قلبي جميلُ حناني
أنزل بصدري رحمة وهداية
واجعل جميع الناس لي خلاني
بيني وبينك يا إلهي خطوة
أجملْ بها من خطوةٍ بزماني
خذني إليك فتلك كل مآربي
يارب وانصرني وأصلح شاني
يا رب زدني عِفةً ، وكرامةً
حرّم على جسدي جوى النيران
يارب وارفع هامتي، أسبغ علَى
أهلي بديع الفضل والإحسان
وسّع عليهم وارض عنهم واحمهم
باعد بهم عن ذلة الخذلان
يا رب شرّفني بهم هم عزوتي
وهديتي من واهبٍ رحمن
وارحم أبي ، واغفر لأمي هاهما
في الخلد عندك عِدهُما بجنان
إن الهداية منك يارب الورى
يا مُنزل الآيات والفرقان
ثم السلام على النبي المصطفى
وصلاتك الفضلى بكل بياني
والكامل يتألف من ستة أجزاء: مُتَفاعِلُنْ/ مُتَفاعِلُنْ/ مُتَفاعِلُنْ/ مُتَفاعِلُنْ/ مُتَفاعِلُنْ/ مُتَفاعِلُنْ
بدأت الشاعرة شريفة السيد رحلتها بديوانها (ملامحي)، لتنسال بعد هذا الديوان الذي حمل إرهاصات تجربة شعرية متميزة المجموعات الشعرية، وصولاً إلى أحدث مناطقها الإبداعية، فاحتلتها بباكورة منتوجاتها الروائية؛ حيث رواية (الطريق إلى روما) تلك الرواية كشفت عن عجز بعض من تعاملوا مع أعمال شريفة السيد الشعرية نقدًا، ففشلوا في الوصول لمفردات وتراكيب تشي بمنطقة التجريب والتحديث المستترة في نص شريفة الشعري أولاً، والذي اتضح أكثر في نصها الروائي الفذ ..