د.عبير خالد يحيي
-“شوكولا مو كالعادة ؟!”
قالها النادل الوسيم في ذلك المقهى الأنيق الذي اعتدنا اللقاء فيه خطيبي وأنا على فترات تتباعد أحيانًا وتتقارب أخرى تبعًا لظروف سفره…
المكان هادئ جدًّا ديكورات المكان، اللوحات الفنية، الموسيقى الناعمة والأضواء الخافتة .. الحركة الصامتة للعاملين في المكان .. كل ذلك يجعل من المكان معقلًا للرومانسية بامتياز …
لذلك كان مقصدًا للعاشقين الباحثين عن لحيظات فرح بلقاء كلٍّ بنصفه الجميل، مع أن ( الطلبات ) فيه مرتفعة الثمن نوعًا ما، لكن لقاء النصف الجميل يستحق أن يُبذَل من أجله الغالي …
كان يغيظني أمر واحد، ذلك النادل الذي -لهدف ما عرفته يومًا- يفرض علينا نوع المشروب الذي سنتناوله…!
كنت أظن أن خطيبي أوعز إليه بذلك، إلى أن تجاوزتُ خجلي في إحدى المرات وسألته :
– ” هل شوكولا مو هو مشروبك المفضّل ؟ “
عاجلني بنظرة دهشة جعلتني أُصادق على ما سيقوله:
– “لا أبدًا.. لكني ظننت أنه المفضّل لديكِ أنتِ، فأشارككِ اختيارك “.
قلت له :
– ” هل تصدِّق ؟ هذا النادل يضحك علينا منذ زمن، ويفرض علينا اختياره هو، لا اختياراتنا، بإيحاء لكلينا، أرى في عينيه نظرة الظفر كلّما سألنا سؤاله المهذّب بظاهره، الآمر بباطنه، مستغلًا خجلنا من بعضنا، ربما لمح نظرات تكلّف بيننا، أو هكذا ظن “.
قاطعني خطيبي بضحكة قائلًا :
-” فلنرفع عنه هذا الظّنّ إذن، ولتكن الأمور بيننا على بساط أحمدي”
اعتلتني حمرة خجل أعادتني سيرتي الأولى من الانضباط والابتعاد عن الانجراف في العواطف ووو :
-” في المرة القادمة سأقول له، لا ..لا أريد شوكولا مو، نحن لا نحبه بالعادة “.
ضحك خطيبي حتى التفت إليه كل من بالمكان، وهذا في عرف هكذا أماكن عيب وتجاوز ..
دقائق قليلة مرّت، فُتحَ الباب الخارجي، ودخل منه فتى لا يزيد عمره عن خمس عشرة سنة، ترافقه فتاة في نفس سنه تقريبًا، يرتديان زي المدرسة، الزِّي الذي ينبئ أنهما في المرحلة الإعدادية.. أضحكني منظر الفتى, فقد بدا كأنه ينفخ عضلاته وكلّ أعضاء جسمه ليبدو أكبر من عمره، وقد صفّف شعره بطريقة عصرية جدًّا، رافعًا أكمام بزّته المدرسية بالمختصر ( شيخ الشباب) بوجه طفولي، المضحك أكثر منظر الفتاة التي بذلت جهودًا جبارة لتبدو صبية بعمر العشرين، مساحيق التجميل التي استقرت على وجهها الطفولي بطريقة عشوائية تحكي قصة علبة مكياج استقرت في حقيبة المدرسة طوال فترة الدوام, ثمّ خرجت ألوانها متسلّلة لتستقرّ على عجل في مواضع على الوجه كيفما اتّفق …
اتجها إلى إحدى الطاولات وجلسا، ليباشر الفتى النّظر إلى نصفه الحلو، ويمسك يدها بين كلتا يديه مسدّدًا نظرات حالمة … أما هي فقد تورّدت خجلًا ؟ لا لا تورّدت هيامًا !
نظرت إلى خطيبي فرأيته ينقّل نظره بيني وبين تلك الفتاة ! وكأن لسان حاله يقول :
– ” لماذا لا تكونين مثلها ؟”.
ردّدتُ عليه نظرته بأخرى تقول :
– ” هل كنتَ أنتَ مثله ؟”.
وانفجرنا ضاحكين ..
انشغلنا بالنظر إليهما، لم تدم سعادتهما طويلًا، ذلك النادل المستبد أتاهما سريعًا، طلب منهما بلباقته التي بتّ أكرهها :
– “عليكما مغادرة المكان، المقهى للأعمار +18″.
(السبع) الذي كان مع فتاته غادر مسرعًا..! تاركًا مدلّلته في المكان تشرح للنادل في محاولة شجاعة أنها في العشرين من العمر وأنّه .. – تلتفت باحثة عنه -لا تجده …!
تتمتم :
“-أظنّه في الخامسة من عمره !”.