أثر خطبة الجمعة في تعزيز الوسطية

أثر خطبة الجمعة في تعزيز الوسطية

  • الشيخ عيسى رمضان

خطبة الجمعة لها أهمية كبرى، ودور فاعل في التأثير على المجتمع، وتوجيهه الوجهة السليمة، والنهوض به إلى ما يعود عليه بالنفع العاجل والآجل، متى ما استخدمت الاستخدام الأمثل، وأعطيت حقها في الإعداد والإلقاء. 

 إلا أنه وللأسف الشديد يُلاحظ، ويُشاهد قصور واضح في تأثيرها في عدد من الأماكن والمجتمعات الإسلامية، وربما يعود ذلك إلى وقوع بعض الخطباء في عدد من السلبيات والأخطاء التي منها على سبيل المثال: عدم توظيف خطبة الجمعة التوظيف المطلوب لخدمة الإسلام والمسلمين بسبب عدم إدراك أولئك الخطباء لمعنى الخطابة، وأهميتها كوسيلة دعوية فاعلة.. 

ويجب على الخطيب أن يبث في الناس عبر خطبة الجمعة أخلاق الإسلام كلها ومنها أهمية الوسطية في الإسلام مع التركيز على ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم وما يحتاجون إليه دائما، بحيث يقنعهم بأن هذه الأخلاق فيها خير كثير لهم، فقد أخذ بهذه الأخلاق المسلمون الأوائل فأصبحوا سادة الدنيا، واليوم يسبقنا غير المسلمين -مع أننا أولى منهم بالتمسك بها- بسبب التزامهم بهذه الأخلاق الكريمة. 

 إن التزام الخطيب ينعكس إيجابا على كلامه والعكس صحيح، فإن لم يكن هو ملتزما بالفضائل والأخلاق الكريمة، مجتنبا لكل ما يدخل في سوء الأخلاق فإن كلماته ستصب غالبا في خانة عدم القبول بل سيكون فتنة للآخرين يحتجون بفعله على عدم صلاح الفكرة التي يدعو إليها وربما يرفضها البعض لأجله هو. فمثلا: ما معنى أن يدعو الخطيب للمحافظة على الجماعة؟ وهو لا يفعل ذلك، أو يأمر بصلة الرحم وهو قاطع لرحمه، أو يدعو للتسامح وهو حاقد، وما معنى أن ينهى عن الربا، والناس يعلمون أنه يتعامل به. أو يأمر النساء بالستر والحجاب وأسرته على غير ذلك. ولقد روي أن الإمام الحسن البصري ظل سنين لا يخطب عن الزكاة لأنه لا يملك ما يزكيه حتى إذا ملك زكّى وصعد المنبر وخطب عن الزكاة. 

 وخلاصة الكلام أن على الخطيب والواعظ حسن المعاملة والصبر على الآخرين والاستغناء عما في أيديهم. كما لا ننسى ما استجد من أخلاق وآداب عصرية ترتبط بالتطور العلمي، مثل: استخدام الهاتف الجوال … إلخ. 

 كما أن خطبة الجمعة تلعب دورا محوريا في محاربة كل أنواع الانحلال الخلقي في المجتمع الإسلامي، وتعزيز القيم الإسلامية الفاضلة كالوسطية وغيرها؛ حيث يقع على عاتق الخطيب في كل حين عبء التغيير للمنكر مع الأمر بالمعروف كأصل من أصول الإسلام التي أمر بها، يقول الحق سبحانه وتعالى:{ يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}  . 

وفي هذا المعني نذكر حديث:  مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ . 

 كما حذّر الإسلام من عدم تغيير المنكر بأن يعم العذاب كل المجتمع إن لم يحاولوا تغييره. ويمثل الانحلال الخلقي شقين كبيرين، يتمثل أحدهما بترك المأمورات كالواجبات والمستحبات من الفضائل الأخلاقية، وأما الآخر فيكون في فعل المنهيات كالوقوع في المحرمات وقبائح الأخلاق. 

 ويكون تعزيز الوسطية بالاستعانة بآيات الأخلاق في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة الواردة في كتب السنّة النبوية تارة، وباستخدام المثل والقصة تارة أخرى، وبالشريط والكتاب ونحوها كذلك، إلى أن نصل إلى كافة الوسائل العصرية من لوحات وإعلانات وإنترنت. ولكن تبقى خطبة الجمعة من أنجع وسائل التأثير، ويكون دور الخطباء في بيان أهمية الوسطية والاعتدال في الدين، مع التفصيل في خطر الغلو والتفريط على الفرد والمجتمع بالأمثلة والقصص والشواهد الحياتية المعاصرة من البيئة التي يقوم بالوعظ فيها. 

 يقول أ.د. نور الدين عتر في بحث حول مسئولية المنبر في الخطاب الإسلامي في مواجهة المستجدات: “… على الخطيب أن يهتم بعلاج القضايا المعاصرة، ومواجهة الثقافة الحديثة، وتصحيح التيارات المتطرفة في الغلو في الدين…”. 

 فعلى الخطباء خاصة والوعاظ عامة أن يعيشوا هموم المجتمع، وأن يكون لديهم تصور كامل لأساليب التغيير المتاحة، ويعملوا على اغتنام الفرص المتاحة عند ظهور أي نوع من الانحلال للعمل على تغييره، مثل: تفشي شرب الخمر، أو شيوع حالات القتل، أو التهاون في الأفراح بالاختلاط والتعري، ونحو ذلك.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :