أغاني الراب .. إيقاع الغضب ومرآة الشباب !

أغاني الراب .. إيقاع الغضب ومرآة الشباب !

استطلاع :: كوثر أبو نوارة

لكل زمن موسيقاه ، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة موسيقا ( الراب ) بشكل ملفت في البلدان العربية ، ولوحظ انتشاره بشكل كبير وسريع في ليبيا منذ سنوات،خاصة بعد ثورة فبراير ، حيث ظهرت الكثير من المواهب التي تجسد هذا النوع من الموسيقا الذي لم يلق في البداية ترحيباً واسعا” ، لكن مؤخرا” أصبح الراب يجتذب جمهورا جديدا من خارج شريحة مستمعيه المعتادين ، ولعل هذا الانتشار يعود إلى مقدرة هذا النوع من الموسيقا على طرح العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية الراهنة التي تعيشها البلاد والتعبير عنها بكل حرية .

هل موسيقا الراب صدى للانحراف والبؤس؟

رأينا الكثير من الشباب الذين كانوا يملكون قنوات ترفيهية وكوميدية على اليوتوب يتجهون إلى ( الراب ) ، والكثير منهم يطمحون لتسجيل أغنية تظل علامة فارقة في عالم ( الراب ) مما أشعل تنافسا” حادا” بين الشباب الموهوبين، وفتح الباب لنقاشات مطولة بين المعجبين حول جودة الأغاني والكلمات والأداء .

قد ينظر البعض إلى كل هذه الموسيقا كنوع من الانحراف ومضيعة للوقت ، خاصة أن معظم رواد هذا الفن المختلف ومستمعيه من فئة الشباب المتواجدين في الشوارع ، كما أن جزءا كبيرا من الأغاني لا يتمحور إلا حول المخدرات والبؤس وجميع أنواع الانحرافات الأخلاقية و لكن ماذا لو كانت هذه هي الحقيقة؟

لماذا نختار أن نسد أسماعنا ونغمض أعيننا عن صوت الواقع في طريقة التعبير هذه ؟

ولم كل هذا الانتقاد لأغاني الراب وهي في نهاية المطاف مجرد نوع من الموسيقا التي لم تكن يوما سببا من أسباب الأزمات التي ألمت بهذه البلاد . لعل مناقشة مثل هذه الظاهرة الموسيقية ومعرفة أسباب انتشارها بهذه السرعة ؛ سيجز بنا في حلقات نقاش لا طائل منها ، ولكن من خلال استطلاعنا هذا عبر فسانيا نسلط الضوء على نوع جديد من الفن أصبح إدمانا” بين الشباب ، كمباريات كرة القدم وأحاديث القيل والقال في مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث ازدهرت موسيقا الراب كوسيلة تعبير فنية يتكلم بها شباب الجيل الجديد ، و يتواصلون من خلالها ، و يرون أنفسهم في الكلمات و في اللحن وفي نبرة الصوت رغم أدائهم بإمكانيات بسيطة جدا !

الراب هو موقف الشباب من الواقع

يقول الشاب أسامة الأسود : الراب هو نوعية من الموسيقا يمكن من خلالها بعث كل الرسائل التي يراد إيصالها إلى المجتمع أو السلطة السياسية بشكل سريع وشبابي ، فالراب قد مكن الشباب الليبي من دفع عدة أمور سلبية قوية إلى الانهيار عبر قوة الكلمة وسهولة اللحن والشحنة القوية التي نسمعها في الأغاني و يجب أن ننظر بشكل مغاير إلى الفنون والموسيقا اليوم ، فالراب نجح في جمع جمهور كبير من المستمعين ، وعلى كافة الموسيقيين الانتباه إلى أن القضايا التي تحصل في الشارع تتم ترجمتها فتتحول وتنضج إلى أغاني راب ، تبنى على النقد اللاذع لأي ظاهرة عامة في حياتنا سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو أخلاقية ، فمغني الراب له رأيه الخاص حول تلك الظواهر، ويلجأ إلى عالمه الانفرادي لإنتاج موقف معين في شكل أغنية .

عولمة الجمهور الموسيقي بحماس الإيقاع !

بينما يرى معاذ إدريس أن أمر موسيقا الراب غريب، فهو فن بسيط وعنيف جدا ونبرته حادة وقاطعة وتخترق كافة المجتمعات بسرعة فائقة لأنها سهلة الفهم والاستيعاب وتخاطب فقط لغة الشباب الدارجة .

 ويتابع قائلا” :”في الحقيقة أنا لست من مناصريها أبدا ، لأن المستمعين يعتادون على الاستهلاك السريع للموسيقا ، بدلا من حضور حفل يحتوي على أغانٍ مفعمة بالثقافة الموسيقية والإبداع والقدرات الفنية، إن طريقة الراب في أداء الأغاني ليست سوى ضررا ، و أراه أمرا خطيرا فقد يتمكن من تحويل العالم بأسره وخاصة الفئة الصغيرة من الشباب إلى عبيد للاستهلاك السريع للموسيقا ، وهذا ما يلفت الانتباه إلى مسألة مهمة وهي أن الراب يمكن أن يكون محملا موسيقيا بثقافة العولمة الجديدة التي تحاول تجاوز عولمة الاقتصاد والسياسة إلى عولمة الفن وجعل العالم في شكل نمطي واحد.

إن مغنيّ الراب غالبا ما يلجؤون إلى التركيز على الجوانب التصادمية مع المجتمع ، الأمر الذي يحول الأغنية إلى مساحة من التوتر، وليست مساحة لتذوق الفن، وهذا ما نريد أن يتحاشاه الموسيقيون الشباب خوفا من التكرار والسقوط في رداءة الطرح الذي نتقمصه من خلال كلماتهم خاصة التي لا تخضع إلى قوانين معينة أو قواعد موسيقية عندما يتم إنتاجها وتسويقها فنيا لأن الراب متاح للجميع.

السوقية قد تقتل القضية !

يؤكد رواد القبائلي أن الطريق طويل وشاق جدا أمام أي فنان خاصة في بلد مثل بلادنا التي لا تؤمن بقدرات مبدعيها . لكن موسيقا الراب قد عرفت طريقها لقلوب الشباب بالرغم من أن المغنين يستعملون ألفاظا سوقية في أغانيهم ويشكلون خطرا على هذا النوع من الموسيقا ، في حين أن الراب قد يكون المنبر الفني الأكثر جرأة في ليبيا لنقل المشاكل السياسية والثقافية والاجتماعية ،فهو اليوم سلاح ذو حدين قد يحقق أهدافه ورسائله وقد يجني على نفسه بفقدان احترام الناس .

ويعرف أيمن جويلي موسيقا الراب بأنها عبارة عن موسيقا ثائرة يسمح من خلالها بالتعبير عن الأحاسيس وإيصال طرح مواضيع قوية من شأنها أن تؤثّر في الشباب وتزيل عنهم بعضا من همومهم فهذا الفن ينقل صوت الشارع ومعاناة الشاب .

ويتابع : لكن المخجل في هذا الأمر أن بعض الفنانين يختارون مصطلحات بديئة من الشارع ، وأنا شخصيا ضد أن ينقل الفنان صوت الشارع عبر أغانيه على هيئة سب وشتم وقلة أدب لا تتناسب مع طبيعتنا ، خاصة أن هذا الفن من أكثر فنون الموسيقا انتشارا في بلادنا مؤخرا” ، حيث غزا مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واضح وله محبون كثر من فئة الشباب الصغيرة .

المنطقة الرمادية بين الكلام و الغناء

يقول يوسف الهوني لاحظنا عادة” أن مغنيّ الراب يتحدثون عن أنفسهم وعن غضبهم واستيائهم وعن كل مشاعرهم سواء الحزينة أو السعيدة ويتحسسون من خلالها كافة مطالبهم من الحياة و حلمهم بحياة كريمة خالية من الفساد .

المظاهر المسلحة .

وتابع : هذه الموسيقا موجودة منذ سنوات في الثقافة الغربية وبدأت تتسلل رويدا رويدا لكل المجتمعات العربية.

إن هذا الفن لا يعتمد على صوت المغني فهو ليس المعيار إنما نبضات الموسيقا نفسها وكلمات الأغنية هي الأساس في إيصال القضية التي يريد الفنان أن يعبر عنها بأسلوبه الخاص .

إن الراب يقع في منطقة رمادية بين الكلام والشعر والغناء, حيث شهدت موسيقا الراب الحديثة تغيرا جوهريا مقارنة” بأسلوب الراب المعتاد والانحراف عن أشكاله القديمة ،ففي السنوات الماضية كان الراب في الغالب يتجه إلى مركبات القافية البسيطة ، والآن نجده خلق الكثير من الأنماط الأكثر تعقيدا” .

أيمن الجويلي

 من سيمد يد العون للراب الشبابي؟

الأستاذة آسيا عبدالعال / أكاديمية في مجال الفنون الموسيقية ترى أن : هذا الفن اجتاح ليبيا بشكل فجائي وسريع خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة بعد تغيير الأنظمة العربية ، لقد لاحظنا أن الشباب يتجمعون في الشارع ويؤلفون كلاما عن كل ما عاشوه من معاناة بسبب الظواهر السلبية التي تمر بها البلاد ،و يعبرون عن غضبهم وكل المشاكل التي تواجههم سواء الأمور السياسية أو الاجتماعية.

وتسترسل : لكن هذا الفن يواجه الكثير من المصاعب والمتاعب والعراقيل والانتقادات حول ما يحويه من بعض “الكلام الانحرافي” ، خاصة أنه لا توجد أي جهة معينة تقدم لهم يد العون أو تقوم بتوجيههم إلى المضمون الصحيح .

نعم إن هذا الفن هو عبارة عن تعبير وتخفيف عن الشباب بطرح مشاكلهم عبر كلمة ولحن ، دون الخضوع لجودة الصوت ،ومن الملاحظ أن الراب لايروق لكل فئات المجتمع.

ويرى العديد من مؤيدي الراب أن هذا الفن هو المتنفس الوحيد لهم ، حيث يطرح كل ما يخالجهم ومايدور داخلهم من هموم كالبطالة والمخدرات والسجون والجرائم وحلم الهجرة من البلاد هروبا من الواقع الذي يرونه لا يتناسب معهم .

وما يزيد همومهم عدم وجود الإمكانيات المناسبة التي تليق بهم لنقل هذا الفن إلينا بصورة مرضية ، خاصة وأنه من المعروف لدى الجميع أن أصعب ثقافة هي ثقافة الشارع وإيصالها للمستمع بالشكل المطلوب .

رواد القبائبي

ومن مغنيّ الراب حاملي الروح على الكف !

و قالت عبد العال : إن بعض فناني الراب يتلقون تهديدات بالقتل والتهجير لما حملته أغانيهم من سب وشتم ، ومساس بالجهات المسلحة و الأمنية التي تدخل ضمن أغانيهم ، فالبعض منهم قد هاجر فعلا” من البلاد ،وآخرون هربوا لمدينة أخرى ليتمكنوا من ممارسة فنهم رغم العراقيل التي واجهتهم.

وختمت : إن هذا الفن له أبعاد كثيرة ، ويحتاج لقدرات فنية عالية ليصل بشكل إيجابي للمستمعين خاصة إن لم يتخطى حدود الهوية الليبية

يقول : الفنان إلياس أبوجناح. بدايتي في هذا المجال كانت منذ خمس سنوات مضت كنت فقط مستمعا جيدا لهذا الفن إلا أن طريقة الطرح في الأغاني حركت الإلهام وجعلتني أقوم بالتأليف والكتابة لأن فنان الراب يقوم بالتأليف والألحان والغناء كافة وأنا هنا أخاطب كافة العقول الشبابية باعتبار أن هذا الفن هو فن شبابي فقط .. أنا لا أنكر أن عائلتي رفضت دخولي لهذا المجال ولكنني قمت بطرح أغانٍ اجتماعية تشمل حنان الوالدين لأثبت لهم أنني أقوم بتوصيل رسائل شبابية وعائلية … أيضا أنا كفنان راب سنقوم بتطوير أنفسنا ونواكب الراب العربي في الفترة القادمة ونسعى أن تكون أغانينا من دون عنف وبعيدة كل البعد عن الكلام البذيء .. نحن ينقصنا الكثير من الدعم وقلة استماع الجمهور إلينا ولكن سنسعى جاهدين أن نتألق بهذا الفن ونرتقي به ليرانا المجتمع بنظرة جيدة في المستقبل.

معاذ ادريس

يرى : الفنان معاذ الهمالي .. فنان راب دخلت لعالم الراب منذ عامين وقد عشقت هذا الفن لأنني أعتبره فنا يلامس الفئة الشبابية فقط في مجتمعنا. وقد كانت بداياتي فيه عندما عشنا نحن كشباب في ظروف جدا سيئة في بلادنا مع كثرة الظواهر السلبية كالبطالة والحروب والفساد وانتشار الجريمة وغيرها .. حيث إن الشاب الليبي يعتبر حقه مهضوما هنا وغير منصف نهائيا مقارنة بالشعوب الأخرى كل هذه الأمور جعلتني أعبر وأكتب بطريقة معينة عن كل العوائق التي واجهتنا في حياتنا وشعرت أنه عليّ الدخول في هذا المجال فطاقتي هائلة جدا في كتابة وتأليف الأغنيات. وقد كان معي أصدقائي في نفس المجال و تعاونا معا .. حيث نقوم بالتأليف والغناء والألحان وطرحنا أول أغنية لنا باسم بلادي .. ومن خلال هذه الأغنية الأولى لي وجدت نفسي أعشق هذا الفن لأنه نابع من نفسي لذلك عليّ أن أستمر فيه وأواكب كافة التطورات في هذا المجال لكي أنجح وأقوم بتوصيل كل أفكاري في الشارع الليبي.

من خلال استعراضنا للآراء السابقة ، تبين أن الراب تعني ( الحرية ) بطريقة أو بأخرى، تلك الحرية التامة التي يراها كاتب الكلمات في الصياغة و الإيقاع البسيط ،والصوت العفوي الذي يتخد من سرعة ترديد الكلام نجاحه، فهو فوضى فنية تعبر عن الآلام والمعاناة والأحلام في ليبيا  فمغنو الراب يقولون ما لا يمكن قوله في وسائل الإعلام ، لذلك فنحن بحاجة للاستماع لهم لأنهم يخبروننا عما تبدو عليه الحياة اليومية في الشارع الليبي والعربي كافة .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :